أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه
الشيخ القاسم بن نبيل سابق
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله محمد وآله وصحبه.. وبعد:
فإن الله تعالى أمر بالاعتصام بحبله المتين، وحذر عباده المؤمنين من التفرق في الدين، وشرع لهم ما وصى به نوحا ومحمدا - صلى الله عليه وسلم - وسائر أولي العزم من المرسلين من إقامة شعائر الدين وشرائعه أصولا وفروعا، بعيدا عن التفرق فيه الذي هو شأن أهل الكتاب الذين تفرقوا من بعد ما جاءهم العلم الموجب للاجتماع بسبب بغيهم وعدوانهم وتباغضهم وتحاسدهم - نعوذ بالله من حالهم - قال رب العالمين ومالك يوم الدين: {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ} [الشورى:13].
قال العلامة عبدالرحمن السعدي - رحمه الله -: "أمركم أن تقيموا جميع شرائع الدين أصوله وفروعه، تقيمونه بأنفسكم، وتجتهدون في إقامته على غيركم، وتعاونون على البر والتقوى، ولا تعاونون على الإثم والعدوان، {وَلا تَتَفَرَّقُوا} أي: ليحصل منكم الاتفاق على أصول الدين وفروعه، واحرصوا على أن لا تفرقكم المسائل وتحزبكم أحزابا، وتكونون شيعا، يعادي بعضكم يعضا، مع اتفاقكم على أصل دينكم"أ.هـ.
الله أكبر! كلام عظيم يحتاج لوقفة تأمل وإعادة تدبر.... فواعجبا لكم معاشر المسلمين (يعادي بعضكم يعضا، مع اتفاقكم على أصل دينكم)؟!!
ليت شعري! لم التعادي والتباغض والتشاحن والتلاسن ما دمتم متفقين في أصل الدين؟!!
أليس الأولى بكم - معاشر المسلمين - أن تتعاونوا فيما اتفقتم عليه من الحق، وأن تتناصحوا برفق وشفقة ومحبة وإخلاص فيما اختلفتم فيه؟
أليس الأولى بكم أن تتسع منكم الصدور في مواطن الاجتهاد؟ فكما أن لكم فهوما ومداركا فللناس فهوم ومدارك!! وكل أحد يؤخذ من كلامه ويترك حاشا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
نعم!! من خالف الكتاب المستبين أو السنة المستفيضة أو الإجماع المتيقن خلافا لا يعذر فيه فهذا لاحجة له ولا عبرة بفهمه وإدراكه الذي أودى به إلى هذا الضلال البعيد.
يا أيها المسلمون: إن واقعنا الذي نعيشه يحتاج لجيل واع مدرك: يدرك واقع أمته، ويسعى للقيام بواجب وقته، مراعيا المصالح تحصيلا وتكميلا، والمفاسد درءا وتقليلا، معتصما بحبل الله ربه، ساعيا في جمع الكلمة على كلمة التوحيد، توحيد الله بالعبادة، وتوحيد النبي - صلى الله عليه وسلم - بالاتباع، فلا معبود بحق إلا الله وحده، ولا متبوع يستحق الاتباع في كل شيء إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
إن أمة الإسلام اليوم في مفترق طرق، وهي أحوج ما تكون إلى أن يُرى أبناؤها على تمسك بالدين، مع محبة واجتماع، وتعاون على الخير، واتحاد للكلمة ضد أهل الكفر والطغيان، سعيا لأن تكون كلمة الذين كفروا السفلى، وكلمةُ الله هي العليا والله عزيز حكيم قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:7]
فالله الله في دينكم، والله الله في أمتكم، احرصوا على إقامة شريعة ربكم، واحرصوا على اجتماع كلمتكم {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:21]، {وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال:46].
نسأل الله أن يبصر أمتنا بما فيه فلاحها، وأن يقيلها من عثرتها، وينهضها من كبوتها، وأن يصلح أحوالنا وأحوال سائر أبنائها إنه ولي ذلك والقادر عليه، لا إله إلا هو، ولا رب لنا سواه.
وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه.