العالم البريطاني سيدني برنر Sydney Brenner
المولود في جنوب أفريقيا عام 1927
والعالم البريطاني أيضا جون سلستون (John E. Sulston)
المولود في عام 1942
والعالم الأميركي روبرت هورفيتز ((Robert Horvitz
المولود عام 1947
ولفهم ما أنجزه هؤلاء العلماء الثلاثة
واستحقوا بسببه أرفع جائزة طبية دولية، يجب أن نعود إلى بعض المفاهيم الأساسية في علم الخلايا، لندرك كيف تمكنوا معا من كتابة فقرة جديدة في التاريخ الطبي·
فمنذ عقود أثبت لنا الطب والعلماء، أن خلايا الجسم جميعها تنحدر من خلية البويضة الملقحة·
مما يجعل خلايا الجسم بمختلف أنواعها، مجرد سلالات وأجيال مختلفة تعود في أصلها إلى خلية واحدة فقط· هذا الاختلاف والتباين بين سلالات خلايا الجسم، يحدث نتيجة (تخصص) كل نوع من هذه السلالات في تكوين نسيج معين من أنسجة الجسم، مثل أنسجة العضلات والدم (والذي يعتبر نسيجا في حد ذاته) وأنسجة القلب والجهاز العصبي، وغيرهما العديد من الأنسجة المتنوعة التي تشكل معا الأعضاء المختلفة، والتي تكوّن بدورها مجتمعة الجسم البشري ككل· ولذا يتكون جسم الإنسان في النهاية من مئات الأنواع من الخلايا المتخصصة في وظائف معينة، تتعاون بشكل دائم مع بعضها بعضا، وهو ما يمكن الأعضاء البشرية المكونة من هذه الخلايا وأنسجتها من أداء وظائفها العديدة كوحدة واحدة·
ولكن للإبقاء على العدد المطلوب والكافي من الخلايا في النسيج الواحد، لا بد من الوصول إلى درجة من التوازن الدقيق بين الخلايا التي تولد (من خلال الانقسام) وبين الخلايا التي تموت بشكل مستمر كجزء من عملية الشيخوخة الطبيعية· هذا بالإضافة إلى أن الخلايا الجديدة يجب أن تتخصص في نوع الوظيفة المطلوبة منها وخلال الوقت الصحيح أثناء عملية انقسامها وولادتها، كي تنتج في النهاية النوع المطلوب·
وتعتبر دراسة هذه العملية الدقيقة جدا وشديدة التعقيد وفهم تفاصيلها، أمراً ذا أهمية شديدة في جميع النواحي البيولوجية والطبية· ولكن دائما ما صادفت العلماء مشكلة إمكانية دراسة هذه العملية في الكائنات الحية، فمثلا في البكتيريا والفطريات (الكائنات البسيطة ذات الخلية الواحدة) لا يمكن دراسة مثل هذه العملية وخصوصا الجزء المتعلق بالتفاعل بين أعداد من أنواع الخلايا المختلفة· بينما تعتبر خلايا وأنسجة الحيوانات الثديية شديدة التعقيد، بحيث يصبح من شبه المستحيل القيام بمثل هذه الدراسات الأولية عليها· وهو ما دفع العلماء إلى اختيار أحد أنواع الديدان البسيطة التي لا يتعدى طولها المليمتر الواحد، ويتمتع جسدها بشفافية مكنت الباحثين من متابعة ولادة وتخصص خلاياها بشكل مباشر·
ونجحت هذه الدودة ومن خلال الدراسات التي أجريت عليها، في إثبات الحقيقة سابقة الذكر، بأنه كي تستمر الحياة فلابد من أن تنقسم الخلايا القديمة لتكوين خلايا جديدة، وفي الوقت نفسه لا بد أن تموت الخلايا القديمة باستمرار حتى يمكن أن يتم استبدالها بالخلايا الجديدة· فمثلا في الجسم الإنساني تتم ولادة ألف مليار خلية جديدة في اليوم الواحد، وفي ذات الوقت يموت عدد مماثل من الخلايا خلال اليوم الواحد أيضا، ومن خلال عملية انتحار منظمة يطلق عليها موت الخلايا المبرمج (Programmed Cell Death)·
هذا الموت المبرمج كان أول من لاحظه علماء دراسات نمو الأجنة وتطور الكائنات الحية، حين اكتشفوا أن خلايا الأجنة تموت في عملية منظمة تسلسلية كي تسمح بنمو الجنين وظهور أعضاء جديدة فيه·
فمثلا في الجنين البشري يتكون في فترة ما من فترات حياته، غشاء جلدي يغطي المسافات بين أصابعه، تماما مثل الغشاء الذي يوجد في أقدام طيور البط والأوز، ولكن عند مرحلة معينة تبدأ خلايا هذا الغشاء في الموت انتحارا وبشكل منظم، تاركة المسافات التي نعرفها بين أصابع المولود الجديد· ويحدث سيناريو مشابه أيضا في خلايا المخ، حين تنتحر أثناء المراحل الأولى من نموه معظم الخلايا العصبية الموجودة فيه، مخلفة المخ بتركيبته وخلاياه النهائية·
كل هذه الحقائق عن الخلايا وانتحارها، يسّر العلماء الثلاثة الحاصلون على جائزة نوبل هذا العام إدراكنا لوجودها وتعميق فهمنا لها، ونجحوا في تحقيق اختراق هائل في إدراكنا للأسباب والآليات التي تحكم العملية برمتها، من خلال اكتشافهم أن انتحار الخلايا يتم عن طريق مجموعة من الجينات المتخصصة والتي يمكن أن نطلق عليها جينات الموت ((Death Genes، وهو ما سيكون له أثر كبيرعلى مستقبل الجنس البشري، وعلى شكل الحرب التاريخية بين الإنسان والمرض·
فعلى سبيل المثال نجح الوعي بآليات عملية انتحار الخلايا، في مساعدة العلماء على فهم الأسلوب الذي تستخدمه بعض الفيروسات والميكروبات، في اختراق وغزو الخلايا البشرية ومن ثم التوالد داخلها وفي النهاية التسبب في موتها· ونجح أيضا فهم عملية انتحار الخلايا في كشف حقيقة أن بعض الأمراض تنتج عن الموت المتسارع للخلايا، مثل الإيدز والذبحة الصدرية والصدمــــة المخية والكثير من الأمراض العصبية التحللية
(NeurodegenerativeDiseases
بينما تنتج أمراض أخرى من جراء تباطؤ معدل الانتحار الطبيعي للخلايا، مثل أمراض المناعة الذاتية (Autoimmune Diseases) وأمراض السرطان، من جراء تباطؤ معدل الانتحار الطبيعي للخلايا، وبقائها لفترات أطول مما هو مفروض في الجسم الطبيعي·
وهو ما أدى إلى تكثيف البحوث حول العالم، بغرض فهم جميع التفاصيل الدقيقة المتعلقة بالانتحار الطبيعي للخلايا، بهدف الوصول يوما ما إلى علاج للأمراض السرطانية مثلا، يعتمد على تنشيط وتحفيز جينات الموت داخل الخلايا السرطانية، بحيث تقتل نفسها بنفسها· هذا المفهوم، وإن كان لا زال في المستقبل البعيد، هو في الحقيقة حلم قديم طالما راود البشر الطموح إلى تحقيقه يوما ما، أي استخدام طاقات الجسم الذاتية
Self Healing في علاج أمراضه والشفاء منها، دون الحاجة إلى الجراحات والأشعة والعقاقير الكيمياوية التي كثيرا ما تتسبب في آلام ومعاناة تفوق الآلام والمعاناة التي يسببها المرض في الأساس
الى اللفاء مع عالم اخر محمود66