ما من نص درامي يمكن أن يضمن جمهوره، كما هي الحال مع النص الذي يكتبه الثنائي حسن سامي يوسف ونجيب نصير. فقد استطاع الاثنان أن يكرسا إسميهما كماركة مسجلة في الدراما الاجتماعية عبر أعمال تعرف كيف تلتقط من الواقع حكاياتها، وتعرف كيف تطوع مقولات أبطالها بما يضمن تقديم دراما مسلية، وواقعية، من دون أن تفتقد الى رسائل نوعية لا تتضمن توجيها فحسب، بل عمقا يدعو الى التفكير.
ولكن نص الثنائي للمسلسل الأخير «السراب» الذي أخرجه مروان بركات، وعرض مؤخرا على الفضائية السورية، جاء بأقل من المنتظر، ولا سيما إذا ما قورن العمل بنصوص قديمة للكاتبين بلغت قمتها في «الانتظار» أولاً، وفي «نساء صغيرات، و«زمن العار».
وبرغم أن الكاتبين قدما نماذج واقعية في هذا العمل تنتمي إلى فسيفساء الحياة الدمشقية المعاصرة بامتياز، ولا سيما أولئك الذين يعيشون في العشوائيات، فضلاً عن نموذج لسكان بيوت دمشق القديمة، الذي غيبته الدراما السورية في ما اصطلح على تسميته بدراما البيئة الشامية. كما قاربا حياة الدارسين في الدول الاشتراكية والمتزوجين من أجنبيات من جوانب أكثر عقلانية وبعيدة عن الصورة النمطية، وناقشا مفهوم العذرية الذي يتمسك به المجتمع، حتى من أكثر الأوساط ثقافة وانفتاحاً على الغرب،. كما قدما نموذجا جديدا في مقاربة الفساد هو الوسيط (جهاد عبدو) الذي يعتاش على الفاسدين... إلا أن كل ذلك جاء في حكاية تمضي خيوطها الدرامية برتابة، وتتفاوت حرارة الأحداث فيها من حلقة إلى أخرى. فتضمي حلقات حكي بحكي.. قبل أن تعود لتشتد الأحداث في حلقات أخرى.
وبينما ينجح الكاتبان في تقديم أكثر من خط درامي مثير بمقولاته، وبما يناقشه في المسلسل، يؤخذ على تلك الخطوط انتظار بعضها البعض، فهنا لا تمضي الحكايات بإيقاع واحد، بل تنشغل عدة حلقات بتقديم خط بعينه بزخم كبير. فيما تنتظر الخطوط الأخرى أو تكاد تغيب في الحلقات ذاتها. وهكذا دواليك.. فيبالغ العمل على سبيل المثال بانشغاله في جزء كبير من حلقاته الأولى بعلاقة رنا (نسرين طافش) مع محمود (قيس الشيخ نجيب)، على حساب الخطوط الأخرى، ولا سيما خط «أبو الخير» (بسام كوسا) الذي لا يكاد يظهر في تلك الحلقات.. إلا بعدد مشاهد قليل. ثم سرعان ما يقول خط (رنا - محمود) مقولته ويغيب بشكل تام تقريباً، لتنهض حكاية خط درامي جديد على حساب خطوط أخرى.
ربما لا يعيب ذلك كثيراً النص الدرامي. ولكن يصبح الأمر جديرا بالتوقف عنده، عندما يتعلق بنص يكتبه الثنائي حسن سامي يوسف ونجيب نصير. خصوصا أن المسألة لا تحتاج إلى أكثر من إعادة توليف مونتاجي على الورق، تمنح بدورها زخماً إضافياًَ للأحداث، وهو أمر نثق بقدرة الكاتبين على فعله بسهولة.
في «السراب» البطولة للأداء. بل إن أداء بعض الممثلين بدا أكبر بكثير من حجم أدوارهما الفعلية. ولو أن مثل تلك الشخصيات التمثيلية أتيح لها فرصة ظهور أكبر في العمل لكانت أغنته بالتأكيد. هذا الكلام ينطبق على شخصية «صبحة» التي جسدتها بأسلوب رائع وطريف الفنانة سلافة معمار. أيضا «كاركتير» «أبو الخير» والذي أداه بشكل عفوي الفنان بسام كوسا، وهو يستحق مساحة أكبر وأكثر فاعلية في الحكاية.
جســـد شخصيات العــمل إلى جانب النجمين كوسا ومعمار، كل من الفنانين نسرين طـــافش، قيس الشيخ نجيب، أحمد الأحمد، عبد الحكيم قطيفان، أمال سعد الدين، يحيى بيازي، سوسن أرشيد، علي سكر، على كريم. وآخرون وهو من إنتاج شركة الجابري