محمود 66 _
الجنس :
عدد المساهمات : 13454
العمر : 42
| ســـــــــــــــــــــــــــوريا الآرامية |
| [color:996c=#00f]
]بعد موجات الأكاديين والعموريين والكنعانيين، وصلت موجة الآراميين من شبه الجزيرة العربية، في أواخر النصف الأول من الألف الثاني قبل الميلاد. وكانت القبائل شبه البدوية تدعى «أحلامو» قد تحدّثت عنها نصوص مدينة ماري، في نحو القرن الثامن عشر قبل الميلاد، كما ذكرت النصوص الآشورية في القرن الرابع عشر قبل الميلاد المعارك والتي خاضها الآشوريون ضد هذه الجماعات، التي عرفت في القرن الثاني عشر قبل الميلاد باسم «أحلامي آراميا» وكانت أشهر تلك المعارك بين الآشوريين والآراميين، جرت في مناطق جبل البشرّي وتدمر. واستقرّ الآراميون في حوض البليخ؛ فعرفت منطقتهم باسم «آرام نهاريم» حول مدينة «حرّان» بين نهري الفرات والخابور.
لقد تأثر تاريخ المنطقة، كما تأثرت حضارات كثيرة بسقوط دولة المنطقة، كما تأثرت حضارات كثيرة بسقوط دولة الميتانيين، واكتشاف الحديد وحسن استخدامه في ميادين الصناعة والحرب، واجتياح «شعوب البحر» الساحل الشرقي للبحر المتوسط حتى حدود مصر، وتمزّق الإمبراطوريتين البيزنطية والحثية إلى دويلات وإمارات، واستقرار الفلسطينيين في بلاد كنعان، فتشكلت ممالك الآراميين في سورية، وأفادت من طرق القوافل، ونجحت في إيصال أحد قادتها «أدد ـ آفال ـ إدين» إلى عرش بابل. وظهرت ممالك الآراميين كقوة عسكرية لها أهميتها في المنطقة، وكمراكز اقتصادية وثقافية، تركت طابعها الحضاري عبر العصور. وكان أشهر هذه الممالك الآرامية: ـ في الشمال ـ مملكة بيت عديني: عاصمتها «تل برسيب/تل أحمر حالياً»، امتدّت شرقاً حتى نهاية البليخ. ـ مملكة بيت بحياني: عاصمتها «غوزانا/تل حلف حالياً» قرب رأس العين على نهر الخابور. ـ وفي شرق الخابور الأعلى، أسست القبيلة الآرامية «تيمانيا» عند رأس العين ثلاث إمارات هي: ـ نصيبين وحوريزانا وجيدارا. ـ وفي شرقها استقرت قبائل سوهو الآرامية في حوض الفرات من «عانة» حتى «ربيقو». ـ وفي جهة الغرب منها، تمكن الآراميون من تأسيس: ـ إمارة بيت أجوشي، التي كانت تضم حلب و«أرفاد/تل رفعت حالياً»، وكانت مجاورة لمملكة بيت عديني. ـ مملكة شمأل/زنجرلي حالياً عند جبال الأمانوس. ـ وفي وسط البلاد ـ مملكة حماة التي عثر فيها على آثار آرامية. ـ وفي جنوبي العاصي والليطاني: ـ مملكة آرام صوبا في البقاع. ـ مملكة آرام بيت رحوب، تقع جنوبي مملكة آرام صوبا، عند منعطف نهر الليطاني. ـ مملكة أرام معكة، كانت تشمل مقاطعة «دان/تل القاضي حالياً» في الجولان. ـ مملكة آرام دمشق: أصبحت زعيمة الممالك الآرامية منذ أسسها القائد الآرامي «رزون بن اليدع» حتى سقوطها آخر عهد آخر ملوكها «رصين» بيد تغلات فلاسر، ملك الآشوريين. وإن زعامة مملكة دمشق تفسِّر تسمية ملكها باسم «ملك آرام»، وتوضِّح أسباب اكتشاف نصب ملقارت، الذي نقشت عليه كتابة آرامية، تتضمَّن اسم ملك دمشق «بر حدد» في المنطقة الشمالية. ـ مملكة جشور، بين نهر اليرموك ودمشق. يُفسر تأسيس الممالك الآرامية في المناطق المختلفة من سورية، تسمية سورية قديماً في ذلك العصر باسم «بلاد آرام»، كما أن اهتمام كثير من الباحثين بدراسة الفن الآرامي، أسهم في إغناء المعلومات عن فن الآراميين في المواقع الأثرية المختلفة ونخص بالذكر منها مايلي: ـ غوزانا/تل حلف حالياً، عند رأس العين، على نهر الخابور. أظهرت التنقيبات الأثرية في هذا الموقع حصناً كبيراً مؤلفاً من معبد وقصر. ـ شمآل/زنجرلي حالياً: أظهر التنقيب الأثري آثاراً تعود إلى مبنى واحد. ـ دمشق: حافظ مكان معبد «حدد الآرامي» على قداسته عبر العصور. وقد عثر في أحد أساسات المبنى على منحوتة بازلتية آرامية، تمثل كائناً له رأس إنسان يعلوه تاج، وله جسم سبع مجنح. ـ قلعة حلب: عُثر فيها على منحوتة بازلتية، تمثل كائنين مجنحين متقابلين ومتماثلين. ـ عين دارا: يبعد هذا الموقع الأثري عن أرفاد/تل رفعت حالياً، مسافة نحو أربعين كيلومتراً، وقد أظهرت التنقيبات فيه معبداً هاماً وتمثال أسد بازلتي. ـ صرين: قرب عين العرب، عُثر في هذا الموقع على نصب يمثل مشهد عربة يقودها رجلان، ونصب آخر نقش عليه رمز رب القمر «سين»، الذي اشتهرت حران وغيرها بعبادته. ويتألف هذا الرمز من هلال فوق رمز الرب مردوخ، كما عثر على تمثال بازلتي ضخم، ارتفاعه 194سم وعرضه 47سم لأمير آرامي، يرتدي ثوباً طويلاً يتوسطه حزام، ويتدلى من الحزام سيف، ويحمل الأمير بيمناه عصا طويلة (الصولجان). ـ تل النيرب: يقع جنوب شرقي حلب، ويبعد عنها 6كم، عثر فيه على نصب يمثل سادناً جالساً خلف مائدة وليمة جنائزية، يحمل بيمناه كأساً، وأمامه خادمه، وفي أعلى النصب كتابة آرامية تتضمَّن اسم «اجبار» سادن رب القمر في حران والنيرب، وأسماء أخرى لآلهة (مثل شمس ونرجال). ويعود هذا
النصب إلى نحو 730ق.م، كما عُثِر على نصب آخر يمثل السادن «سن ـ زر ـ ابني»، يقف رافعاً إحدى يديه، ويحمل بالأخرى منديلاً وقد نُقشت كتابة آرامية تحت قوس هذا النصب. وتميّزت عمارة الآراميين بواجهة قائمة فوق أعمدة، وتقع خلفها قاعة رئيسة لها شكل مستطيل. وتدل النصوص التاريخية على مدى اهتمام قدماء العموريين بفن العمارة العسكرية والدينية والمدنية، ويستنتج الباحثون تأثر الآراميين بالتراث المعماري المحلّي، وحسن إفادتهم منه واعتمادهم عليه في إقامة منشآتهم المعمارية. وأبدع النحاتون الآراميون روائعهم النحتية، ويلاحظ أن مادة الحجر البازلتي البركاني لم تساعدهم أحياناً في إبراز التفاصيل بدقة، مما جعل بعض منحوتاتهم يسودها طابع الخشونة. ورأى بعض الباحثين في عدد من المنحوتات الآرامية تأثيراً من الفن الحثي الجديد وغيره. ومزن أشهر الروائع النحتية الآرامية هي: ـ تماثيل وأنصاب آلهة: مثل منحوتة تمثل الرب «ملقارت»، ونقش على هذا النصب كتابة تذكارية تاريخية، تتضمن اسم «بر حدد» ملك دمشق، الذي أقام هذا النصب للرب «ملقارت» الذي استجاب لندائه. ـ تماثيل أمراء: مثل تمثال أمير من «صرين» قرب عين العرب، تمثال أمير من «عين التل» وتمثال ملك واقف، نقشت على ثوبه كتابة آشورية مسمارية وآرامية أبجدية. ـ تماثيل أسود: مثل تمثال أسد مكتشف في «عين دارا». ـ كائنات خيالية: مثل منحوتة مكتشف في أحد أساسات مبنى الجامع الأموي في دمشق، تمثل كائناً له رأس إنسان يعلوه تاج، وله جسم سبع مجنّح. ـ مواضيع من الحياة اليومية: مثل مشهد صيد، عربة يقودها رجلان. ـ رموز: مثل رب القمر «سين». وهناك مجسّمات الألواح، التي تغطّي جدران المباني في مداخل المدن والقلاع. ـ وتجدر الإشارة إلى القطع العاجية، التي كانت تزيّن عرش ملك دمشق «بر حدد»، وقد استولى عليها ملك
الآشوريين تغلات فلاسر، الذي استطاع أن يقضي على مملكة دمشق الآرامية عام 732ق.م، ويعود منها بغنائم كان منها ما تبقى من روائع المنحوتات العاجية، التي تمثل مواضيع مختلفة مثل: وجه حسناء تجسّد الرّوح وتطلّ على عالم الأحياء، ومشهد بقرة ترضع عجلها... وهناك الكتابة المسمارية الآشورية والكتابة الأبجدية الآرامية، المنقوشتان على ثوب تمثال ملك من حجر البازلت، اكتشف جنوب شرقي تل فخيرية جنوب رأس العين، وتتضمّنان اسم «سيكاتي» حاضرة مملكة «غوزانا». وهناك أيضاً المعاهدة الآرامية المنقوشة كتابتها على حجر البازلت البركاني، وكانت قد اكتشفت في قناة سجين، فنقلت إلى قرية «سفيرة» قرب حلب، وهي محفوظة حالياً في المتحف الوطني بدمشق. ويعتبر نص هذه المعاهدة أقدم وثيقة تتضمن كتابة باللغة الآرامية، وتدل حروفها عل مدى تشابهها مع الحروف الفينيقية، ومدى العناية بحسن كتابتها ونقشها، وهي تعود إلى القرن الثامن قبل الميلاد، وتتضمن اسم «برغايا» ملك كيتاك، و«متعال» ملك أرفاد/تل رفعت حالياً، الذي كان خصم الملك الآشوري تغلات فلاسر الثالث، الذي استطاع في نحو عام 740ق.م أن يقضي على مملكة أرفاد بعدما حاصرها أربعة أعوام. وقد جاء في نص المعاهدة عبارات تتضمن الخطر، الذي يهدّد «متعال» ومملكته فيما إذا نقض عهده. وهناك روائع الصناعات الفنية والفنون الصناعية، مثل صناعة الأواني الفخارية الجميلة المختلفة.
------------------ مواضيع ذات صلة:
الممالك الآرامية في سورية
من واجهة متحف حلب من الآثار الآرامية
الممالك الآرامية في سورية: في نهاية النصف الأول من الألف الثاني قبل الميلاد، ظهرت جماعات الأخلامو والآراميين في شمال شبه الجزيرة العربية، متجهةً نحو الشمال إلى سورية وبلاد ما بين النهرين. ثم أخذت تدريجياً تستقر وتمارس الزراعة وغيرها. وتحدث الآشوريون عن انتصاراتهم على الآراميين، كما شعر الحثيون بخطر الآراميين عليهم، فأرسل ملك الحثيين «حتوشيل الثالث» إلى الملك البابلي، «كادش مان الثالث» في نحو عام 1275ق.م رسالة بشرح له فيها خطر استقرار هؤلاء الآراميين على سلامة الطرق التجارية في حوض الفرات. كل ذلك جعل الملك الآشوري «تبكولتي نينورتا» (1255ق.م-1218ق.م)، يقود حملة حربية ضد الآراميين في منطقة جبل البشري، كما شعر الملك الآشوري «آشور بل كالا»، بقوة الآراميين المتزايدة، مما جعله يتحالف مع ملك بابل «مردوخ شابيك زرماتي» لصد الآراميين. ولكن هذا الملك البابلي نفسه، قد أُبعد عن العرش وحل محله الآرامي «حدد ابان دين» (1083-1062ق.م)؛ فوجد الملك الآشوري من مصلحته الاعتراف به والتقرب منه، فتزوج ابنته لأسباب سياسية. وخاض الملك الآشوري «تغلات فلاسر الأول» (1116ق.م-1090ق.م) حرباً ضد الآراميين، الذين كانوا قد وصلوا إلى منطقة كركميش (جرابلس)، وخلد حملاته الحربية ضدهم. وكان الآراميون في بلاد بابل يدعمون البابليين، الذين كانت لهم معهم صلات قومية وثيقة، حتى أنه ورد في إحدى وثائق تل العمارنة في عهد الملك أخناتون (1370ق.م-1349ق.م) والملك البابلي «كاردونياش»، نبأ استيلائهم على المدن برضى حكامها المحليين، مما يفسر صلة الآراميين بالسكان المحليين. يعتبر القرن الحادي عشر قبل الميلاد بمثابة ذروة انتشار الآراميين في مناطق شمال بلاد ما بين النهرين. وكان انتشارهم في المقاطعات العديدة، مطابقاً لتقسيماتهم وتنظيماتهم القبلية، وقد تحولت هذه المقاطعات إلى ممالك آرامية ومختلفة من حيث الأهمية والنفوذ. وقد شكلت طوق حصار حول الآشوريين، الذي أصبحوا محرومين من منفذ لهم، كما دفعت الكنعانيين من المناطق الداخلية إلى جهات الساحل؛ فاتخذ الكنعانيون بدورهم من أنفسهم عائقاً دو توسع الآراميين إلى مناطق الساحل. أقام الآراميون إلى جانب السكان المحليين العموريين في حوض العاصي، الذي أسموه «أورونت»، ولم يلاقوا أية صعوبات في مناطق سورية الجنوبية، التي كان يسكنها العموريون والكنعانيون. وكان الآراميون يتحالفون مع العمونيين الذين كانت عمان عاصمتهم. وكانت تدمر كمركز لتجمع الآراميين.وفي مناطق غرب الفرات. اصطدم الآراميون ببقايا الحثيين ولاسيما في كركميش جرابلس وتمكن الآراميون من انتزاع بعض المدن (مثل بيترو جنوب جرابلس، وموتكينو على ضفة الفرات اليسرى)، والانتشار في مناطق واسعة خصبة، تحدها أرمينيا شمالاً وجبال طوروس والأمانوس وحوض العاصي وفلسطين غرباً، والصحراء العربية جنوباً وبلاد بابل وآشور شرقاً. وأسسوا ممالكهم التي من أشهرها: ـ مملكة فدان آرام: عاصمتها حران التي يفيد اسمها معنى طريق. وكانت من أعظم مراكز الحضارة الآرامية. ـ مملكة صوبا في سهل البقاع. ـ مملكة آرام نهرين (أي نهري الفرات والخابور). ـ مملكة بيت باحياني في حوض الخابور: عاصمتها «غوزانا تل حلف» قرب رأس العين. وكان من أشهر ملوكها كابارا. ـ مملكة بيت عديني: عاصمتها تل برسيب، واتسعت هذه المملكة حتى نهر البليخ، وكان من أشهر ملوكها آخوني. ـ مملكة بيت آجوشي: عاصمتها «أروباد تل رفعت»، كانت تشمل أراضي منطقة حلب. ـ مملكة شمأل عند سفوح جبال الأمانوس وفي حوض قره صو. ـ مملكة حماة: كان من أشهر ملوكها أرخوليني، وزاكر. ـ مملكة بيت رحوب: عند مجرى نهر الليطاني الأوسط. ـ مملكة آرام ماعاكا: في الجولان: وتضم منطقة دان/ تل القاضي. ـ مملكة جشور بين دمشق ونهر اليرموك. ـ مملكة دمشق الآرامية، التي كانت أمل الممالك الآرامية وعقلها المفكر وقلب مقاومتها وصمودها. اتبع الآشوريون سياسة قتال الآراميين وإخضاعهم والقضاء عليهم، مما جعل الملك الآشوري، آشور دان الثاني (932-912ق.م) يقاتل الآراميين المقيمين في المنطقة الشمالية الغربية. كما قاد ابنه «حدد ميراري الثاني» (911-890ق.م) حملاته الحربية ضدهم. فهاجم مملكة «غوزانا» قرب رأس العين ومملكة قطنة/المشرفة. كما قاتل الملك الآشوري آشور بانيبال الثاني (883-859ق.م) الآراميين. ومع ذلك فقد استطاعت مملكة بيت عدين الآرامية أن تحافظ على كيانها. وبعدما كانت مملكة صوبا أقوى الممالك، دب الضعف فيها، مما جعل القائد الآرامي «رزون بن اليدع»، ينفصل عن ملك صوبا «حدد عزر بن رحوب»، ويجمع حوله رجاله ويؤسس مملكة آرامية جديدة في نهاية الألف الثاني قبل الميلاد. كان في انتظارها أمور جسام وأحداث كبرى. فقد قادت الممالك الآرامية في مواجهة الجيوش الآشورية في معركة «قرقر» على نهر العاصي في منتصف القرن التاسع قبل الميلاد ومعارك عام 849ق.م و848ق.م و845ق.م و838ق.م. ففي عام 838ق.م، توجه «شلمنصر الثالث» من جديد بجيشه لقتال ملك دمشق «حزائيل»، الذي كان يتمتع بمواهب عسكرية وعزيمة قوية، جعلته من أعظم المحاربين الآراميين. فقد صمد وأجبر الملك الآشوري أن يعود من حيث أتى. بلغ من شدة سيطرة «حزائيل» على الممالك المجاورة، درجة، جعلته يجد من تسلحهم. ووصفت شدة ضغطه عليهم بأنه جعلهم «كالتراب المتصاعد على الأرجل». ووصفه بعض المؤرخين بأنه «أعظم محارب في التاريخ الآرامي». في عهد آخر ملوك دمشق الآراميين «رصين» (732ق.م) سقطت دمشق في أيدي الآشوريين؛ فدخلها الملك الآشوري «تغلات فلاسر الثالث»؛ فقتل ملكها «رصين» ونفى كثيراً من سكانها، وقضى على استقلالها وازدهارها وجعلها إحدى المقاطعات الآشورية. بسقوط دمشق عام 732ق.م، زالت دعامة كبرى من دعائم مقاومة الآراميين وانتهى عز سيادتهم فيما استمر نشاطهم الاقتصادي ونفوذهم الثقافي، وغدت لغتهم لغة الأدب والتخاطب، بل واللغة الرسمية في الولايات الفارسية في عهد «دارا الكبير» (521ق.م-486ق.م). وكان الآشوريون يعتمدون الكتّاب الآراميين في كتابة وثائقهم. وقد عثر على منحوتة آشورية من عهد تغلات فلاسر الثالث، تمثل كاتباً آرامياً يسجل الغنائم بقلمه على ملفات البردي، في حين أن زميله الكاتب الآشوري كان يكتب على رُقيم طيني النص بالكتابة المسمارية.
31 الآداب القديمة في سورية ما من حضارة في التاريخ البشري لم تنتج شكلاً من الأدب يعكس صورتها ويعبر عن معاناتها وتطلعاتها، وقد تعاقب على منطقة سورية الطبيعية منذ القديم عدد من الحضارات المحلية الأصيلة والغريبة الدخيلة، مما حوَّل المنطقة إلى بوتقة تلاق وتفاعل وتمازج مثمر، جعل منها بؤرة للإشعاع الفكري تارة، ووسيطاً فاعلاً بين الحضارات تارة أخرى. وعلى الرغم من بعد الشقة الزمنية مع الماضي الغابر، ساعد علم الآثار وبعثات التنقيب المتوزعة في أرجاء المنطقة كافة منذ أوائل القرن العشرين في الكشف عن كثير من تراث هذه الحضارات، بما في ذلك الفكر والأدب الديني والدنيوي. أظهرت الحفريات في سبعينيات القرن العشرين في تل مرديخ بالقرب من مدينة إدلب أعداداً كبيرة من الرّقم الطينية، التي كشفت دراستها عن حضرة مملكة إبلا، التي تعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد، والتي اعتمدت على الإنتاج والتبادل التجاري مع الممالك المجاورة، وكانت أحد مراكز العلم والأدب المتطورة في ذلك الزمن. ومع أن القسم الأكبر من هذه الرقم مازال قيد الدراسة، فقد عثر الخبراء حتى اليوم على نسختين من ملحمة غلغامش، وعلى كثير من النصوص الأسطورية المرتبطة بآلهة إبلا وملوكها وأبطالها، بشكل يكشف عن طبيعة الحياة الدينية والاجتماعية والاقتصادية في المملكة وجوارها، مدونة باللغة الإبلاوية التي تنتمي، حسب رأي الدارسين، إلى الأسرة السامية الشمالية، أي إلى الحضارة الكنعانية. ومنذ عشرينيات القرن العشرين كشفت الحفريات في منطقة رأس شمرا شمالي اللاذقية عن حضارة مملكة أوغاريت الكنعانية التي تعود إلى القرن 14-13ق.م. وقد كشفت دراسة الرقم عن أول أبجدية في التاريخ مؤلفة من ثلاثين علامة كتابية، ودونت بها أعداد كبيرة من النصوص الدينية والحقوقية والتجارية، إلى جانب عدد لافت من الملاحم والأساطير والقصائد التي أثارت اهتماماً كبيراً لدى الباحثين، ولاسيما وأنها تثبت صحة المقاطع المذكورة عن أوغاريت في كتاب «فينيقيا» Phoinikika للكاتب الجبيلي فيلون (64-141م) Philon التي أحالها بدوره إلى سنخونياتن Sanchuniatin البيروتي الذي عاش قبل حرب طروادة (نحو 1200ق.م). تعتمد جميع أشعار الأدب الأوغاريتي على بنية موحدة واضحة، بحين يتألف البيت من شطرين، وكل شطر من ثلاث تفعيلات، ويخضع اختلاف الوزن إلى عدد حركات الرفع والخفض في التفعيلة، وتقسم القصيدة إلى مقاطع يتناول كل منها معنى محدداً، وتعتمد الصورة الشعرية المؤثرة على تعدد الصفات وتلونها، على نحو يميل إلى المبالغة أحياناً، ولاسيما عند وصف الآلهة المؤنسنة من حيث عواطفها ونزواتها ورغائبها وعاداتها. ويبدو من التواقيع التي تذيل بعض الرُّقم أن ملك أوغاريت نيقمدو Niqmaddu الثاني (نحو 1350ق.م) قد أشرف بنفسه على تدوينها، إلا أن مؤلفها هو إيلي ميلكو Ili Milku كاهن أوغاريت الأكبر ورئيس مقدّمي القرابين والمطهرين، وقد صاغها بشكل دروس تلقى على أبناء الملك كتوجيهات ومواعظ في الأخلاق والعقائد الدينية وفي السياسة والسلوك الشخصي، وأطلق عليها اسم «اللآلئ»، وهي ملحمة تحكي أخبار الملك الذي امتد ملكه من أوغاريت حتى جنوبي فلسطين، وقاست البلاد في ظله أمرَّ الويلات نتيجة سوء تصرفه سخصياً وسياسياً، وثمة نص آخر بعنوان «دورة بعل» يعد تجسيداً لمعتقدات الخصب ودورة الطبيعة، فـالإله موت Mot يعتل الإله بعل Ba’al. ويمثل بعل المطر والرعد والريح في حين يجسد موت القحط والمحل والجفاف، فتنتقم الإلهة عناة Anat لأخيها وتقتل موت لكنهما ينبعثان مجدداً في مطلع الربيع ليخوضا الصراع ثانية. أما أكثر النصوص إنسانية فهو ملحمة «كِرْتَ» Kirta. فعندما يفقد الملك كِرْتَ جميع أبنائه يشمله رب الأرباب إيل El برحمته ويمنحه ذرية جديدة ويشفيه من أعتى الأمراض. وفي أسطورة دانيل Danel ينتج الصراع الدامي عن تصدي البطل نصف الإله أقهات Aqhat بن دانيل لرغبات الإلهة المحاربة عناة. وثمة نصوص كثيرة أخرى من نوع قصائد المديح أو الرثاء أو الابتهال. على الرغم من أن اللغة الآرامية انتشرت من سورية ووادي الرافدين حتى بلغت الهند، ومع أنها صارت لغة الدولة في المرحلة الأخمينية، إلا أن دورها الحضاري على صعيد الأدب كان شبه معدوم، في حين أدّت دوراً بارزاً ولعدة قرون بوصفها اللغة الدبلوماسية بين الممالك ولغة الدواوين وسجلات الملوك والتبادل التجاري، وذلك حتى بروز أحد فروعها، أي السريانية، وارتباطه بانتشار الديانة المسيحية، انطلاقاً من سورية. وفي المرحلة نفسها لمع في سورية اسم الأديب والخطيب والفيلسوف لوقيانس (120-185م) Lukianos المولود في مدينة سميساط Samosata على الفرات، الذي وجّه في مؤلفاته العديدة نقداً ساخراً لاذعاً للظواهر السلبية التي انتشرت في سورية في زمنه كالفساد والتدهور الأخلاقي من جهة والانسلاب الديني من جهة أخرى، إلى جانب حماقة رجال السياسة وضحالة الفلسفة المزيفة المنتشرة آنذاك. كما برز اسم ملياغروس (130-60ق.م) Melegros الذي ولد في بلدة جدارة وقضى حياته في صُوْر يقرض الشعر وينظم الحِكمَ وينشر آراء الفلسفة الكلبية Cynicism، وجمع حكمه المنظومة في كتاب «الإكليل» Stephunos فصار نموذجاً لمجموعات مماثلة. يحتل الأدب السرياني المكانة الأبرز في إطار آداب المسيحية المشرقية، سواء من حيث القدم، أم الحجم والأهمية، إذ كان أول إنجازاته ترجمة «العهد القديم»، لكن من رفع السريانية إلى مرتبة اللغة الأدبية هو لاشك بَردَيصان (154-222م) Bardaisan الغنوصي صاحب «كتاب القدر» و«نشيد اللؤلؤة» الذي يعد من دُرر السريانية الأصيلة. أما ماني (216-222) Mani مؤسس المانوية Manism فقد وضع مؤلفاته كافة بالسريانية. وما يميز الأدب السرياني في المقام الأول هو اهتمامه بالموضوعات الدينية المسيحية وكون غالبية مبدعيه من رجال الكنيسة أو اللاهوتيين. وقد بلغ هذا الأدب أولى ذُراه في قصائد القديس أفرام (306-373م) في مديح السيدة العذراء، وكذلك في مؤلفاته النثرية، وقد وُصِف لرقة شاعريته بـ «قيثارة الروح القدس». وكان من أبرز أتباعه ومقلديه الشعراء قوريلونا Qurillona (نحو 400م) وبالاي Balai (نحو 432م) وماروثا Marutha (نحو 400م). وقد أدى مجمع خلقيدونية عام 451م إلى انقسام الشعب السرياني إلى يعاقبة غربي سورية ونساطرة شرقيها، وقد تعمق هذا الانقسام بهيمنة بيزنطة على غربي سورية، وفارس على شرقيها. وفي حماة الصراع بين المذهبين برز اسم فيلوكسينُس Philoxivos المنبجي (المتوفي 523م) الذي يمثل كلاسيكية الأدب السرياني بكتبه التي أنافت على الثمانين. وعندما دخل السريان في ظل الفتوحات الإسلامية كانت ذروتهم الأدبية قد أفلت. وفي هذه الحقبة لعبت السريانية دور الوسيط بين الحضارة اليونانية والحضارة العربية الإسلامية الفتية عن طريق ترجمة أمهات الكتب العلمية والفلسفية والأدبية من اليونانية إلى العربية، مما ساعد في سرعة ازدهار الحضارة العربية الإسلامية وانتشار اللغة العربية في البلدان المفتوحة. ومن أبرز أدباء هذه الحقبة القديس يوحنا الدمشقي (675-749م) الذي كتب في الفلسفة والخطابة والشعر ومهّد بمؤلفاته لنشأة تعليم اللاهوت في أوروبا. وفي هذه المرحلة ظهر عدد من الأدباء السريان ذوي اللسانين، الذين ألفوا كتبهم ونظموا أشعارهم بالسريانية والعربية، ومنهم ديونيسيوس بن الصليبي (1154-1171م) وابن العبري (1126-1286م) الذي يعد من أبرز وأغزر الأدباء السريان في اللغتين من حيث القيمة الأدبية والفكرية، وفي ظله سار عبد يشوع بن بريخا أسقف سنجار الرمة في نجد (المتوفى 1318م) صاحب كتاب «جنة عدن». وعلى إثر الغزو المغولي ثم الهيمنة العثمانية تراجع الأدب السرياني ولم تعد هناك إبداعات جديدة تستحق الذكر. نبيل الحفار الموسوعة العربية نقلا من موقع أكتشف سوريا [/b] | |
|
الثلاثاء 30 أغسطس - 12:31 الامل الدافئ
الجنس :
عدد المساهمات : 3091
العمر : 34
| رد: ســـــــــــــــــــــــــــوريا الآرامية |
| | |
|