مسلسل "في حضرة الغياب" بين المنع والتصريح

ترددت كثيراً في الكتابة حول مسلسل في حضرة الغياب الذي يتحدث عن حياة
محمود درويش، وذلك لأن الضجة ألتي رافقت المسلسل أعطت الموضوع حجماً أكثر
مما يستحق، وزاد على ذلك القائمة ألتي تحمل تواقيع عشرات المثقفين الذين
يطالبون التلفزيون الفلسطيني بوقف عرض المسلسل، وإتسعت الحملة ضد المسلسل
على مواقع التواصل الإجتماعي الفيس بوك وغيرها من المواقع ، ورافق هذه
الحملة وقوف عدد من الشباب أمام قناة رؤيا الفضائية للمطالبة بوقف عرض
المسلسل على هذه القناة ، والمسلسل يعرض في عدد أخر من الفضائيات.

ليس دفاعاً عن أحد ،ولا دعماً للمسلسل لكن الفنان فراس إبراهيم
كان مبادراً حين فكر في عمل يحمل أسم الشاعر الكبير محمود درويش ،وجمع كل
عناصر القوة لنجاح هذا العمل من المخرج نجدت انزور ألذي يشهد له الجميع
بأعماله القوية والناجحة على مستوى الوطن العربي ،إضافة إلى الفنان مرسيل
خليفة صديق محمود درويش وغنى بعض من قصائده وشاركه في بعض الإمسيات وكاتب
مثل حسن يوسف ، وقيام فراس إبراهيم بأداء شخصية محمود درويش في المسلسل لم
يكن بالنسبة له مجرد عمل يقوم بإنتاجه بهدف الربح المادي من هذا المسلسل
إنما قدم الشخصية من إعجابه بها وحبه لشخص محمود درويش وشعره .وكان يهدف
إلى المساهمة ولو بجزء بسيط في الحفاظ على تاريخ وأرث الشاعر محمود درويش
من وجهة نظره .
الفنان فراس إبراهيم عمل على أن يكون المسلسل قيمة فنية
وتاريخية يذكره المشاهدين كلما تم الحديث عن محمود درويش، لقد إجتهد على
هذا العمل وحاول أن يقدم فن راقي وعمل جيد لكن النتيجة كانت عكس ما توقع أو
أن إجتهاده كان في غير موقعه.
لذلك يجب علينا أن نلتمس له عذراً ولا نلومه عليه ،فأن من
إجتهد وأصاب له أجران ،ومن إجتهد وأخطاء له أجر ،لذلك من حق فراس إبراهيم
أجراً على هذا العمل .ولا أعني أجر مادي بل معنوي وتقدير على الجهد المبذول
في العمل.

إن ما يدعو إلى الأستهجان أن يقوم عدد من المثقفين بالمطالبة من
التلفزيون الفلسطيني بوقف عرض المسلسل ،في حين أنهم من أشد المتحمسين لحرية
الرأي والتعبير وضد أي شكل من الرقابة على الفن والفنانين ودائماً في
مقدمة المدافعين عن الإبداع وعدم تحجيم الفن والفنانين ،والمطالبة بإطلاق
العنان للفكر والإبداع .وفي نفس الوقت يطالبون بمنع هذا الحق عن الأخرين من
خلال وقف عرض مسلسل " في حضرة الغياب" .

والأغرب من ذلك أن الهجوم على المسلسل بدء منذ عرض الحلقة
الأولى على شاشة التلفزيون الفلسطيني ،أي قبل أن يشاهدوا باقي حلقات
المسلسل أذا كانت تستحق المشاهدة أم لا ،وهل المسلسل يسير في الطريق الصحيح
أم تطاول على حياة وتاريخ محمود درويش .

إن الحماس الشديد لوقف عرض المسلسل في التلفزيون الفلسطيني من
أول حلقة له يؤكد أن هناك قرار مسبق من البعض ضد المسلسل والقائمين عليه ،
وتجييش العشرات من محبي درويش لهذا الهدف ،مع أن الغالبية منهم لم يشاهدوا
حتى الحلقة الأولى من العمل.

معظم الأعمال ألتي تتناول السيرة الذاتية لأي شخص سواء كان
سياسياً ،فنياً أو ثقافياً غالباً ما تقع في بعض المطبات ،خصوصاً أذا كان
صاحب السيرة شخصية بحجم محمود درويش ، ألذي لم يمضي على غيابه عنا سوى ثلاث
سنوات ،لذلك ما زال في ذاكرة محبيه ومريديه وكل من يعرفه عن قرب ،لذلك
يصعب على هؤلاء جميعاً أن يشاهدوا أي موقف أو مشهد لا يرضيهم، أو يسمعوا
شيء لا يحبونه عن محمود درويش حتى لو كان جزء منه حقيقي .

مسلسل "في حضرة الغياب" كان ضعيف في بعض المشاهد، ظهرت بعض
الأخطاء بشكل واضح في الحلقة الأولى من المسلسل سواء على الصعيد العاطفي أو
الإنساني ،فلا يوجد عمل متكامل من كل النواحي ، ألا أن العمل في الحلقات
اللاحقة يسير في منحى جيد من خلال الأحداث والمراحل التاريخية مروراً
بالصراع العربي الصهيوني،وحياة محمود درويش في هذه الفترة ،وبداياته في
كتابة الشعر وأولى قصائده ومنها إنطلاقته في عالم الشعر والإبداع ، منها
إلى حيفا وجريدة الأتحاد ثم الأعتقال السياسي ألذي تعرض له أكثر من مرة
إضافة إلى الأقامة الجبرية ألتي فرضها الإحتلال العسكري عليه.وما زالت
الأحداث تتطور للأفضل.

لست مع المسلسل ،ولا مع أي شخص يسيء إلى محمود درويش بأي شكل
كان ،فهو أكبر بكثير من مسلسل أو أي عمل أخر يحمل أسمه ،لكن لست مع الهجوم
على فراس إبراهيم ألذي إجتهد في تقديم شخصية محمود درويش.
أذا كان يهم المثقفين الموقعين على وقف المسلسل الذوق العام
ومصلحة الوطن والمواطن فأين هم من البرامج والمسلسلات ألتي تعرض على
التلفزيونات المحلية والفضائية وبعضها لا يستحق المشاهدة بل تسيء إلى
الذوق العام في فلسطين ،لم نسمع هذه الأصوات تتعالى أوتطالب المسؤلين بوقف
الأعمال الهابطة مع أنها أشد خطراً على المجتمع من مسلسل"في حضرة الغياب".
إلى كل المعترضين على عرض المسلسل أقول أفضل رد على الفنان
فراس إبراهيم ليس وقف عرض المسلسل،إنما عمل مسلسل يفند كل الأخطاء ويعيد
الأعتبار لمحمود درويش وكل محبي على أن يكون عمل مميز ، يحمل كل مقومات
النجاح ويكون بمثابة هدية نقدمها في ذكرى رحيله.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

مسلسل "في حضرة الغياب" بين المنع والتصريح موجود في : منتديات مملكة الفرات

توقيعالكنغ