الحرية من أعمق المفاهيم الإنسانية ...
ومن أكثرها إثارة للجدل وتعتمد في فهمها على الثقافة والمخزون الفكري والحياتي ... وهي المحرك الأساسي للإبداع فما سر تلك الكلمة وما معناها ....
يروج لنا البعض الحرية على إنها الانفلات من كل القيود والتعبير الواضح والفاضح عن الاختلاف ... فالحر هو الجريء والجرأة هنا تتعدى الوقاحة دون توقف ... وعلينا تقبل اختلافه المزعج لكونه حر دون النظر خلفنا ... والسيدة الحرة أيضا هي المبالغة في شكلها وشخصها وحضورها ... وربما صاحبة الصوت الأعلى في الحوارات التقليدية حيث لا أحد يستمع للآخر ....
بالطبع من هذا المنبر لا يمكنني أن أنادي بالحرية وبتصحيح مفهومها و أرفض الأشخاص الذين يتطبعون بالميزات المذكورة فهي بالنهاية حريتهم الشخصية في التعبير عن أنفسهم التي يجب تقبلها ولكني هنا أؤكد على مفهوم واضح ومحدد وهو أن مفهوم الحرية بالنسبة لنا مختلط ونحن لا يسعنا سوى تبني شكله النهائي (إخراجاته الأخيرة) بانحراف واضح عن جوهره الحقيقي ...
الحرية عبر التاريخ هي التخلص من العبودية ... وما يترافق معها من مفاهيم الظلم والقهر ومع تطور الحياة وتطور شكل العبودية من الرق إلى الأشكال المستوردة والمهجنة من الاحتلال الفكري والعقلاني أصبحت مفاهيم الإنعتاق والتحرر متطورة بالتوازي ...
فمثلاً لا يناقش أحرار الثورة الفرنسية اختلاف العقائد والتعصب نحو الجماعة ... الحرية في تلك الفترة هي النضال نحو الاستقلال والمساهمة بتدمير سجن الباستيل والتحريك الفكري للتخلص من الحقوق الفيودالية وامتيازات النبلاء ورجال الدين ومصادرة أملاك الكنيسة ... وعلى هذا المنوال أكثر حركات التحرر في العالم كانت تنادي بمفاهيم متشابهة لحد التطابق من حيث إرادة التغيير والحق بتقرير المصير ... وهنا يكمن جوهر الحرية
أما الحرية اليوم فهي الزواج المدني وقبول الطوائف وإلغاء التعصب القبلي والعرقي .... وحرية الفتاة باختيار شريكها دون أية مرجعية من أي نوع و شرعنة حرية العلاقة بلا قيود ...
من صدر لنا هذه الإسكتشات وأفهمنا إنها هي الحرية ؟؟؟؟
مع تباين الأحداث توسع معنى الحرية ليشمل الفكر بشكل أعمق أصبحت الحرية هي النظرة الشمولية والعميقة للأمور ....الفهم والإدراك والاستقراء المنطقي ... القدرة على اتخاذ القرار المناسب والقدرة على تنفيذه ... تقبل الآخر ومحاكاة عقل هذا الآخر للوصول لمساحة مشتركة ومتبادلة من الأفكار ...
هي الحرية حرية العقل بداية وكل التعابير الأخرى عن الحرية التي نراها تأتي فيما بعد ....