لماذا لا يذهب الشيطان عندما يستعيذ منه الإنسان ؟
يقول بعض الناس: إننا نستعيذ بالله ، ومع ذلك فإننا نحس بالشيطان يوسوس لنا، ويحرضنا على الشر ، ويشغلنا في صلاتنا .
والجواب : أن الاستعاذة كالسيف في يد
المقاتل ، فإن كانت يده قوية ، أصاب منعدوه مقتلاً ، وإلا فإنه قد لا يؤثر
فيه ، ولو كان السيف صقيلاً حديداً .
وكذلك الاستعاذة إذا كانت من تقيّ ورع كانت ناراً تحرق الشيطان ، وإذا كانت من مخلط ضعيف الإيمان فلا تؤثر في العدو تأثيراً قوياً .
قال أبو الفرج ابن الجوزي رحمه الله: واعلم أن مثل إبليس مع المتقي
والمخلط ، كرجل جالس بين يديه طعام ولحم ، فمرّ به كلب ، فقال له : اخسأ ،
فذهب . فمرّ بآخر بين يديه طعام ولحم فكلّما أخسأه (طرده) لم يبرح .
فالأول مثل المتقي يمر به الشيطان، فيكفيه في طرده الذكر ، والثاني مثل
المخلط لا يفارقه الشيطان لمكان تخليطه ، نعوذ بالله من الشيطان .
فعلى المسلم الذي يريد النجاة من الشيطان وأحابيله أن يشتغل بتقوية إيمانه ،
والاحتماء بالله ربه ، والالتجاء إليه ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
كيف تصنع بالشيطان إذ سوّل لك الخطايا ؟
حكي عن أحد علماء السلف أنه قال لتلميذه : ما تصنع بالشيطان إذا سوّل لك
الخطايا ؟ قال : أجاهده . قال : فإن عاد ؟ قال : أجاهده . قال : فإن عاد ؟
قال : أجاهده .
قال هذا يطول، أرأيت إن مررت بغنم فنبحك كلبها ، أو منعك من العبور ما تصنع
؟ قال : أكابده جهدي وأرده . قال : هذا أمر يطول ، ولكن استعن بصاحب الغنم
يكفّه عنك .
وهذا فقه عظيم من هذا العالم الجليل ، فإن الاحتماء بالله ، والالتجاء إليه
، هو السبيل القوي الذي يطرد الشيطان ويبعده ، وهذا ما فعلته أم مريم إذ
قالت : ( وإني أعيذها بك وذريتها من الشَّيطان الرَّجيم ) [ آل عمران : 36 ]
الالتجاء إلى الله والاحتماء به
خير سبيل للاحتماء من الشيطان وجنده هو الالتجاء إلى الله والاحتماء بجنابه
، والاستعاذة به من الشيطان ، فإنه عليه قادر . فإذا أجار عبده فأنى يخلص
الشيطان إليه ، قال تعالى : ( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين – وإمَّا ينزغنَّك من الشَّيطان نزغٌ فاستعذ بالله إنَّه سميع عليم ) [ الأعراف : 199-200 ] .
وقد أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بالاستعاذة بالله من همزات الشياطين وحضورهم : ( وقل رب أعوذ بك من همزات الشَّياطين – وأعوذ بك رب أن يحضرون ) [المؤمنون : 97-98] .
وهمزات الشياطين : نزغاتهم ووساوسهم ،
فالله يأمرنا بالاستعاذة به من العدو الشيطاني لا محالة ؛ إذ لا يقبل
مصانعة ولا إحساناً ، ولا يبتغي غير هلاك ابن آدم ، لشدة العداوة بينه وبين
آدم .
بعض مواضع الاستعاذة
1- الاستعاذة عند دخول الخلاء
كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء ، قال : ( اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث ) .
2- الاستعاذة عند الغضب
عن سليمان بن صُرَد قال: استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم ونحن
عنده جلوس ، وأحدهما يسب صاحبه مغضباً ، قد احمرّ وجهه ، فقال النبي صلى
الله عليه وسلم : ( إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد : أعوذ بالله
من الشيطان الرجيم ) . رواه البخاري ومسلم .
3- الاستعاذة عند نزول وادٍ أو منزل
وإذا نزل المرء وادياً أو منزلاً ، فعليه أن يستعيذ بالله ، لا كما كان
يفعل أهل الجاهلية يستعيذون بالجن والشياطين ، فيقول قائلهم : أعوذ بزعيم
هذا الوادي من سفهاء قومه ، فكانت العاقبة أن استكبرت الجن وآذتهم ، كما
حكى الله عنهم ذلك في سورة الجن : ( وأنَّه كان رجالٌ من الإنس يعوذون برجالٍ من الجن فزادوهم رهقاً )
[الجن : 6] ؛ أي الجن زادت الإنس رهقاً .
4- التعوذ بالله من الشيطان عند سماع نهيق الحمار
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( إذا نهق الحمار فتعوذوا بالله من
الشيطان الرجيم ) . رواه الطبراني في معجمه الكبير بإسناد صحيح ، وقد
أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن الحمار إذا نهق فإنه يكون قد رأى
شيطاناً
6- التعوذ حين قراءَة القرآن
قال تعالى : ( فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشَّيطان الرَّجيم – إنَّه ليس له سلطان على الَّذين آمنوا وعلى ربهم يتوكَّلون ) [ النحل : 98-99 ] .
وفي رواية أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لابن عابس الجهني: ( إن أفضل
ما تعوذ به المتعوذون المعوذتان ) . وقال الرسول صلى الله عليه وسلم في بعض
روايات حديث عقبة : ( ما سأل سائل بمثلهما ، ولا استعاذ مستعيذ بمثلهما ) .
منقوا للاستفادة