العفادلة وهي من اكبر عشائر الرقة
من أين أتت قبيلة العفادلة وأين حطت بها الرحال وما هي علاقتها بسلطة
الاحتلال وأي الأعمال مارست وكيف عاشت في بدايتها أسئلة كثيرة تطرح
وكثر هم الذين يجهلون الحقيقة الإجابة عن تلك الأسئلة وجدناها في كتاب
أهل الرقة للباحث والشاعر محمود الذخيرة إذ انه يذكر في صفحات كتابه
وتحت عنوان وصول العفادلة إلى الرقة
بقيت في جزيرة البوحميدي فنده من البوحميدي يسمونهم ( البوعنكة) حين
ترك العفادلة ديارهم هناك واتجهوا إلى الغرب بمحاذاة نهر الفرات. كان
ذلك بحدود عام 1550م وكان يقود هذه العشيرة ظاهر بن حسن حتى
وصلت إلى منطقة الرقة ، ووجدوا هناك مجموعة من بيوتات البوعساف
أعقاب مفلح بن شعبان أبناء عمومتهم . كان هؤلاء متواجدين في موقع رقة
سمرة عند التقاء نهر البليخ بالفرات .
لكن البو عساف بعد مجيء العفادلة ارتحلوا جميعا إلى أعالي نهر البليخ في
شمال المنطقة واستقروا هناك إلى يومنا هذا . أيضا نزح من أمام العفادلة
عشيرة بجدله إلى موقع التركماني على نبع البليخ .
أما العفادلة فقد خلا لهم المكان وأصبح لاينا فسهم فيه أحد . وكانت منطقة
الرقة، الضفة اليسرى على نهر الفرات ملاذ ، صالحا لوقاية هذه العشيرة
الصغيرة من الكوارث والغارات، بسبب وعورة المكان وكثرة الأحراش
والحواجز الطبيعية المتمثلة بنهري الفرات والبليخ ، وخلوا المنطقة من
السكان لبعدها عن الحواضر آنذاك وانعدام طرق المواصلات البرية ،
فالطريق الوحيدة آنذاك تقع على الضفة اليمنى للنهر على المرتفعات
الكاسية ذات الحروف
الممهدة التي تحاذي النهر ، حيث تنعدم الجسور على نهر الفرات آنذاك .
ومع الأيام تفرقت بيوتات العشيرة حتى وصل بعضهم إلى أنقاض مدينة
الرقة الخاوية على خرائب مبعثرة هنا وهناك موحشة لاتسكنها إلا
الوحوش والزواحف ، ولقد مضى على خرابها قرابة أربعة قرون لم
يسمر فيها أنيس اللهم إلا من بعض العشائر السيارة التي تطلب الرعي في
البراري ، في القسم الشمالي من المنطقة انتشرت عشيرة العفادلة من
مطب البور اشد. من
الشرق حدود محافظة دير الزور الشمالية الغربية على الضفة اليسرى لنهر
الفرات إلى الموقع المعروف
( بهرقلة ) إلى الغرب من مدينة الرقة اليوم.
بدأت فكرة الاستقرار لعشيرة العفادلة في منتصف القرن السابع عشر
الميلادي ، حيث تقاسمت أفخاذهم الأراضي مشاعا منهم لكل فخذ المكان
الذي سكن فيه . نشأ جيل جديد على هذه الأرض وأحبها كثيرا وأصبحت
جزاء منه وارتبطت المنطقة إداريا بأيالة أورفا .
لكن هذا الأستقرار لايعني بناء الدور السكنية في المنطقة بل كانوا يسكنون
السيابيط ويسمونها المكايظ أي السكن الصيفي ، ثم بيوت الشعر والدباديب
ويسمونه المشاتي وهو السكن الشتوي . أما مربوا الأغنام فلا يسكنون
إلا في بيوت الشعر وفي كل الفصول . لقد لعبت الظروف البيئية لمنطقة
الرقة دورا مهما في تشكل البيئة الحياتية لعشيرة العفادلة لما تحتويه هذه
المنطقة من مراع وأحراش وسهول البادية العشبية الواسعة وأرض سكنية
مهيأة أن تكون في يوم ما عامرة بالمدن والقرى . وقد كان ذلك كما نرى
اليوم فكانوا ينقسمون ثلاثة أقسام وكل قسم
منهم يزاول عملا معينا ، وربما كان بعضهم يجمع بين الاثنين ، فمنهم
الزارع ومنهم مربو الأغنام والخيول وقليل من الإبل فقط لحاجتهم لحمل
الأمتعة والأثقال ومزاولة الأسفار البعيدة . كانت تربية الإبل محدودة جدا
إذا قيست بالقبائل البدوية المتنقلة التي لا تملك إلا الإبل . والقسم الثالث منهم
يربي الجاموس والبقر والماعز في الأدغال
الفراتية ويسمونهم ( أهل الزور ) . أما مربوا الأغنام والخيول والإبل
يسمونهم 0أهل البرية ) أو ( كوجار ) أما الزارع ( الفلاح ) على ضفاف
نهر البليخ يسمونهم ( أهل البليخ ) وهكذا نشأت التركيبة الاجتماعية
لعشيرة العفادلة طبقا للبيئة التي عاشوا فيها وكابدوا من أجلها . وأخذت هذه
المسميات المحلية طبقا للأرض التي يعيشون عليها وهكذا بدأت مسيرتهم
الأولى .
ولقد لفت وجودهم السلطة التركية وأرادوا توطينهم وإسكانهم الدور لكنهم لم
يفلحوا . وحثوهم على زراعة الأراضي على ضفاف الفرات وأعمارها
ليسهل عليهم جبايتها ، لكن السلطة لم تفلح بذلك ، حتى أن العفادلة في نهاية
القرن السابع عشر نفروا فلاحة الأرض نتيجة مطالبة السلطات بالغلال
وبالحاح شديد ، فمالوا إلى العناية بتربية الماشية والخيول أكثر واضطروا
إلى استرداد المؤن والغلال من الحواضر كقور نيشار والرها وحران
وغيرها . وهذا الوضع كما يقولون زرعه فيهم شيخ العفادلة آنذاك ذياب
الغانم
كان هذا الرجل يميل جدا إلى حياة البداوة وكان شجاعا لا يهاب . وهو أول
من تقلد مشيخة العفادلة بشكل رسمي . كان ذياب يحث عشيرته على تربية
أكبر عدد ممكن من الخيول والإبل ، وكان رجلا حادا بمقارعة خصومه
والطامعين بعشيرته ، لذا انطبعت العشيرة على سلوكه لفترة من الزمن .
كان نزقا حاد الطباع بالإضافة إلى أنه كان سخيا و شجاعا ، لكنه في بعض
الأحيان كان متهورا . فقد اقتحم ذات مرة سجن فور نيشار مع جماعة له
وأخرج المساجين منه بالقوة بعد أن عزل حراس السجن وكتفهم جانبا .
وأصدرت السلطة حينها فرمانا بحقه، لكنه استطاع أن يتخلص منه فيما
بعد . ولا تزال أهزوجة يتناقلها أبناء العشيرة إلى يومنا هذا تؤكد على هذه
الحادثة وهي ( منهو اليفك ياحديد ، دياب دياب ) . ومن خلال القصيدة تبين
أحداث قام بها هذا الرجل الجسور الشجاع متحديا السلطة العصملية آنذاك
من هذه القصيدة
حكا الطير المبرقع بالدلايل وصاح ذياب هو زين الونية
ذياب ذياب للشدات شايل أنت مطلوب يبن الراشدية
وهذا يدل على أن العفادلة منذ نشأتهم الأولى بمنطقة الرقة على خلاف مع
السلطة الأجنبية . وهناك كتاب يتحدث عن علاقة السلطة السياسية
والاجتماعية بأهل منطقة الرقة ،عثر على بعض الصفحات منه مكتوبة با
للغة التركية
يتحث هذا الكتاب عن أحداث عام 1691م ويؤكد الكتاب أن العلاقة بين أهل
منطقة الرقة
( الأبي شعبان) والسلطة العثمانية ليست كما يرام . وقد جاء تاريخها بزمن
ذياب الغانم وتحدي العفادلة للسلطة واقتحام السجن وإخراج المساجين
وكلهم وأغلبهم من عشيرتي السبخة والعفادلة الشعبانيتين وفي زمن الشيخ
ذياب الغانم عام 1670- 1712م أرادت السلطة العثمانية توطين عدد من
الفلاحين بحدود عام 1695م
وما بعد في منطقة الرقة وفي الموقع الذي تنتشر عليه عشيرة العفادلة، وتم
توطين 700 أسرة فلاحيه تركمانية الأصل لكن العفادلة أزعجهم هذا
الوضع وعزموا على اقتلاعهم وطردهم من الأرض التي أحبوها ، وأيقنوا
أن هؤلاء الوافدين الجدد سيكونون مصدر قلق دائم لهم واخذوا يغيرون على
محاصيلهم وينهبونها ومنها أيقن هؤلاء الفلاحين أن وجودهم مستحيل
فرحلوا إلى مناطق حلب وحمص وحماه وادلب
هذه لمحة موجزة عن تاريخ وصول العفادلة إلى الرقة وعن طريقة عيشهم
وعلاقتهم بسلطات الاحتلال آنذاك وعن بعض الأعمال التي مارسوها متمنيا
أن يجد فيها المتصفح لهذا المنتدى الفائدة والمنفعة
منقول عن الكاتب عبدالرزاق الهويدي من موقع العفادلة