في ليلة السابع عشر من رمضان و النبي صلى الله عليه وسلم في الأربعين من عمره أذن الله عز وجل للنور أن يتنزل ، فإذا جبريل عليه السلام آخذ بالنبي صلى الله عليه وسلم يقول له : اقرأ ! فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( ما أنا بقارئ قال فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ قلت ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ فقلت ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثالثة ثم أرسلني فقال { اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم } فرجع بها رسول الله صلى اللهم عليه وسلم يرجف فؤاده )) [ البخاري 3 ]
وهكذا نزلت أول آية من هذا الكتاب العظيم على النبي الرؤوف الرحيم في هذا الشهر العظيم .
وهكذا شهدت أيامه المباركة اتصال الأرض بالسماء ، و تنزل الوحي بالنور و الضياء ، فأشرقت الأرض بنور ربها وانقشعت ظلمات الجاهلية الجهلاء .
و من قبل ذلك شهد هذا الشهر الكريم نزولا آخر ، إنه نزول القرآن جملة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا ، وكان ذلك في ليلة القدر … { إنا أنزلناه في ليلة القدر } { إنا أنزلنا في ليلة مباركة } ، قال ابن عباس : أنزل القرآن جملة واحدة إلى سماء الدنيا ليلة القدر ثم أنزل بعد ذلك في عشرين سنة [ النسائي و الحاكم ] ، وقال ابن جرير : نزل القرآن من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا في ليلة القدر من شهر رمضان ثم أنزل إلى محمد صلى الله عليه و سلم على ما أراد الله إنزاله إليه .
إنها تلك " الليلة الموعودة التي سجلها الوجود كله في فرح و غبطة و ابتهال ، ليلة الاتصال بين الأرض و الملأ الأعلى … ليلة ذلك الحدث العظيم الذي لم تشهد الأرض مثله في عظمته و في دلالته و في آثاره في حياة البشرية جميعا ، العظمة التي لا يحيط بها الإدراك البشري ... والنصوص القرآنية التي تذكر هذا الحدث تكاد ترف و تنير بل هي تفيض بالنور الهادئ الساري الرائق الودود نور الله المشرق في قرآنه { إنا أنزلناه في ليلة القدر } ، و نور الملائكة و الروح و هم في غدوهم ورواحهم طوال الليلة بين الأرض و الملأ الأعلى { تنزل الملائكة و الروح فيها } و نور الفجــر الذي تعرضهالنصوص متناسقا مع نور الوحي و نور الملائكة … { سلام هي حتى مطلع الفجر } " [ الظلال 6/3944 ]
و أي نعمة أعظم من نعمة نزول القرآن ؟ نعمة لا يسعها حمد البشر فحمد الله نفسه على هذه النعمة { الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب و لم يجعل له عوجا } .
وهكذا إذن ، شهد شهر رمضان هذا النزول الفريد لكتاب الله ، و من يومذاك ارتبط القرآن بشهر رمضان { شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس و بينات من الهدى و الفرقان }
ومن يوم ذاك أصبح شهر رمضان هو شهر القرآن .