لا يختلف اثنان على أن المراهقة مرحلة صعبة على المراهق والأهل. ففي هذه المرحلة يريد المراهق أن يكتشف هويته وشخصيته الجديدة، وأن يقوم بالمجازفات ويستقل عن أهله، فتجده أحيانًا منكفئًا على ذاته وأخرى اجتماعيًا يحب الخروج ولقاء الأصدقاء، وأحيانًا يكون هادئًا وديعًا وأخرى ثائرًا لا يعجبه شيء ولا يتوقف عن انتقاد أهله... هذه التناقضات في سلوك المراهق تقلق الأهل وقد تجعلهم في صدام شبه دائم معه.
من المعلوم أن التغيّرات البيولوجية التي تحصل للمراهق وخلال فترة تمتد سنوات عدة، أحد العوامل الرئيسية والمسبّبة لهذه التناقضات، فصورة الجسد التي تغيرت فجأة، تجعل المراهق في مواجهة مع نفسه لأنه يجدها غريبة عنه، فهو لم يعد طفلاً بل بدأت تظهر عليه معالم الرجولة، كذلك البنت المراهقة بدأت تتحوّل إلى امرأة.
ويرافق هذا التغيّر في صورة الجسد، تغيّر في التفكير الذي يصبح أكثر قدرة على استيعاب المفاهيم المجرّدة والمعاني الإنسانية، ويطرح حولها الكثير من الأسئلة الكبرى، يسأل عن معنى وجوده والحياة ويقلقه التفكير في مستقبله ويحاول إيجاد إجابات،
مما يفسّر توقه إلى المجازفات والخروج على القوانين المنزلية والتخلّص من سلطة الأهل. كل هذا يضع المراهق والأهل معًا أمام اختبار مرحلة المراهقة بكل تناقضاتها.
- كيف يمكن تفسير ميل المراهق إلى القيام بالأمور الخطرة التي تهدد حياته كالقيادة بسرعة جنونية أو محاولته تجربة المخدرات أو تعاطي الكحول؟
من المعلوم أن المراهق يميل إلى القيام بالأعمال الخطرة، وهذا السلوك من المظاهر الطبيعية للمراهقة. ولكن لا يقصد المراهق عند إقحام نفسه في المجازفات استفزاز أهله، بل يبحث عن التجارب التي تمنحه شعوراً يحرره من قمقم الوالدين، ويثبت لهما أنه صار مستعداً لمواجهة العالم وحده بعيداً عن سيطرتهما.
ولكنْ في بعض الحالات يعكس هذا التصرّف، خصوصًا إذا استمر فترة طويلة،ألمًا حقيقيًا يشعر به المراهق.
ولكنْ هناك سبباً آخر يدفعه للقيام بالأعمال الخطرة وهو أنه يريد أن يكون مثل باقي رفاق الشلّة. فمن المعروف أن شلة الأصدقاء تشكّل بالنسبة إلى المراهق مَعبرًا إلى العالم الخارجي، ومن خلالها يتماهى مع نماذج جديدة خارج الوسط العائلي.
لذا يجد المراهق نفسه أحيانًا أمام خيار واحد وهو الالتزام بمعايير الجماعة والتخلّي عن نموذج الأهل، ليكون منسجمًا مع باقي أفراد الشلّة. لذا يجدر بالأهل مراقبة تماهي ابنهم لأن له دورًا بارزًا في بناء الشخصية، ويجب أن يجري ضمن ظروف طبيعية وملائمة، فضلاً عن أنه على الأهل أن يكونوا أصدقاء لأبنائهم المراهقين لا شرطة أو مراقبين مزعجين، وإلا فإن المراهق سيحاول حذفهم من حياته النفسية.
وفي مقابل هذا الجنوح نحو السلوك الخطر، قد يكون رأي الأهل إنها أزمة مراهقة وتعبر، مما يدفع المراهق لزيادة درجة المجازفة الخطرة، وهذا مؤشر لأنه يعاني انهيارًا عصبيًا قويًا قد يؤدي إلى الانتحار. فالقول مثلاً لمراهقة، أخضعت نفسها لحمية قاسية، إن تصرفها غنج، في الوقت الذي تكون قد خسرت عشرة كيلوغرامات ثم خمسة عشر خلال مدّة قصيرة جدًا، فهذا مؤشر لميلها إلى الانتحار ولا يجوز أبدًا الاستخفاف بهذا السلوك.
صحيح انه لا يجوز تحويل كل ما يقوم به المراهق إلى تراجيديا وأن معظم المراهقين يعبرون هذه المرحلة بسلام، ولكن إذا أظهر مراهق إشارات بأنه يعاني اكتئابًا حادًا على الأهل أن يسألوا عما هو خفي. وقد يصعب عليهم التمييز بين أزمة مراهقة عادية وبين اضطرابات نفسية خطرة، ولكن هناك دائمًا إشارات.
فالمراهق الذي لا يكترث لشيء، وعلاماته المدرسية تدنت بشكل لافت، أو المراهق الذي يدخن الممنوعات، ويلتزم الجلوس في غرفته ولا يذهب إلى المدرسة، ولا يكون لديه علاقات اجتماعية، أو يعاني أنوركسيا و منقطع عن الطعام لا يلتقي أصدقاءه، على الأهل أن يقلقوا عندما تبدو على ابنهم هذه المظاهر.
أما النصيحة التي يسديها الاختصاصيون فهي أن يكون الأهل حاضرين دائمًا للاستماع إلى أبنائهم كي يرافقوهم في مرحلة المراهقة ويساعدوهم في عبورها إلى مرحلة الرشد بسلام.
- كيف يمكن إجراء حوار بين الأهل والمراهق القليل الكلام؟
بطريقة بسيطة جدًا، المبادرة بحديث أو تعليق بسيط كأن تقول الأم مثلا يبدو عليك التعب أو هذا العطر التي تضعه يليق بك هذه الجملة البسيطة يمكن أن تفتح باب الحوار مع المراهق، فهذا يظهر له أنها تهتم به. ولكن على الأهل أن يحاولوا قدر الإمكان تحرّي الأمر لمعرفة اللحظة المناسبة لفتح حوار معه.
كما يمكن التفكير أيضًا في توفير جو هادئ ليجلس الأهل والابن مع بعضهم وجهًا لوجه حيث يسهل التحدث معه. مثلاً التحدث معه مساء قبل النوم من دون أن ينسوا طرق باب غرفته قبل الدخول إليها.
فالمراهق في حاجة إلى اهتمام أهله وفي الوقت نفسه إلى احترامهم خصوصيته، وطرق الباب قبل دخوله يعني بالنسبة إليه أن أهله يحترمون مساحته الخاصة ورغبته في الاستقلالية.
- كيف يمكن معرفة ما إذا كان المراهق يمر بحالة اكتئاب؟ ومتى على الأهل أن يقلقوا من تصرفاته؟
عندما يصبح تصرف المراهق غير المتزن سلوكًا يعتمده في حياته اليومية. فمثلا عندما يدخن ويبدأ بشرب الكحول ويبدو مكتئبًا، ويقوم بكل هذه التصرّفات في وقت واحد، على الأهل أن يقلقوا ويتحققوا من الأمر. وهذه بعض التصرّفات التي على الأهل أن يضعوا علامة استفهام حولها:
منطو على ذاته: يبدو المراهق في غالب الأحيان خجولاً، لا يعرف كيف يعبّر عن نفسه في المجتمع. ينطوي على نفسه ويجد صعوبة في التكيف مع سلوك الآخرين، وقلق جدًا. فإذا كانت هذه الحالة ظاهرة بشكل قوي عند المراهق يجب أن يحصل على مساعدة نفسية من أجل ألا يتحول هذا السلوك إلى عائق في سن الرشد. يعارض كل شيء: ليس من السهل أن يتقبل الأهل اعتراض المراهق المستمر، ولكنه يحاول من خلال هذا السلوك تشكيل هويته الخاصة، فالأهل لم يعودوا مرجعه الوحيد، وغالبًا ما يكون هذا السلوك عابرًا ويعتبر تقليديًا يمر به كل المراهقين، وعلى الأهل أن يتحلّوا بالصبر.عنيد، وتدمع عيناه لكلمة نعم أو لكلمة لا: يمكن المراهق أن يعاني قلقًا عابرًا أو شعورًا عميقًا بالحزن، ويصعب عليه أن يضع مسافة بينه وبين همومه. ولا يجوز أن ينسى الأهل أن الكآبة هي من المظاهر العادية التي تبدو في هذه المرحلة. وفي المقابل عليهم أن يقلقوا من هذا السلوك إذا ما استمر لأكثر من أسبوعين، إذ يمكن أن يكون مؤشرًا لانهيار عصبي.الكذب: الكذب بالمصادفة تصرف طبيعي أثناء المراهقة. وفي المقابل إذا أصبح الكذب سلوكًا منهجيًا أو عندما يصدّق المراهق أكاذيبه، فهذا مؤشر لأنه أصبح مولعًا بالكذب.على الأهل معرفة سبب هذا السلوك وعدم التردد بطلب مساعدة اختصاصي نفسي.لا يتحدث أبدًا ويجلس وحيدًا في غرفته: يحتاج المراهق إلى حديقة أسرار ومساحة تخصه وحده. ويبدو أن بعض الأهل لا يفهمون هذه الحاجة ويميلون إلى إجبار ابنهم على التحدّث، مما يجعله يشعر بأنهم يتعمّدون ممارسة العنف ضده. فيما يرى الاختصاصيون أن هذا السلوك يعكس رغبته في الاستقلال عن أهله وهو ليس خطراً طالما لا يتعدى حدود الاستماع إلى موسيقاه المفضّلة أو قراءة كتاب. أما إذا كان يجلس في غرفته لساعات طويلة يدخّن بالخفاء أو يدّعي النوم، فهذا النوع من السلوكيات يشير إلى محاولة المراهق الهروب من هموم تلاحقه أو توتر يعيشه. وإذا لم يعد يرغب في لقاء أصدقائه أو ممارسة نشاطه المفضل فهو يمر في حالة اكتئاب. أما إذا كان لا يتكلّم أبدًا، أو يشعر بالألم فعلى الأهل أن يعرفوا سبب شعوره بالحزن.
- لماذا يشكو بعض المراهقين من الإرهاق؟
أظهرت دراسة فرنسية أن 40 في المئة من المراهقين التلامذة يشعرون دائمًا بالتعب. وربطت هذه الدراسة مشكلة التعب بمشكلات في النوم. ومع ذلك فالشعور بالإرهاق يجب أن تعرف أسبابه لإزالتها. فإذا كان المراهق يعاني مشكلة في النوم يمكن الأم أن تعرض عليه مساء قبل النوم علاجات الجدة مثل حمام دافئ أو كوب من الزهورات، وإذا كان عكر المزاج يمكن نصحه بممارسة اليوغا. والشعور بالإرهاق من الأمور المتكررة والعادية عند المراهق سببها النمو الجسدي أو زيادة إنفاق طاقته أكثر من المعتاد.
ويزول هذا الشعور بالإرهاق بعد غرق المراهق في نوم عميق. وفي المقابل، إذا استمر الإرهاق أسابيع عدة رغم حصوله على قسط وافر من الراحة وإذا رافقته كآبة، يمكن أن يكون ذلك مؤشرًا لانهيار عصبي.
أما إذا رافق الشعور بالإرهاق غثيان وشحوب قوي، فيمكن أن يكون المراهق مصابًا بالأنيميا أو فقر الدم، في هذه الحالة من الضروري استشارة الطبيب لإجراء الفحوص الضرورية. وبين أزمة المراهقة والبحث عن الهوية يصعب على الأهل أحيانًا فهم المراهقين.
ورغم أن هذه التصرفات طبيعية فإنها غالبًا ما تقلق الأهل. فالمراهقة ليست مرضًا، ولكن من المؤكد تتعرض لاضطرابات نفسية، مثلما يحصل في كل مراحل العمر، ولكن لا يجوز الخلط بين بعض الكآبة التي تصيب المراهق والمشكلات الحقيقية التي يمكن أن تؤدي إلى أمراض نفسية خطرة قد تؤدي بدورها إلى تفكير المراهق بالانتحار.
صحيح أن مراهق اليوم يختلف عن مراهق الماضي. وصحيح أن تصرفاته تطورت ولكن ليس بشكل أفضل، والجديد أنه يتمادى في القيام بالأمور الخطرة سواء كانت نشاطات رياضية أو قيادة سيارة بسرعة متهورة، وهذا السلوك كان محدودًا في الماضي.