محمود 66 _
الجنس :
عدد المساهمات : 13454
العمر : 42
| التحنـــــــــيط و الجنــــــــازة الفرعونيـــــــة |
| التعرف على كيميـــاء الخلود
داخل رحلة جنائزية لزوجة خازن معبد "آمون رع" فى الكرنك و بدقة مراسم التحنيط والدفن للشخصيات الهامة فى مصر القديمة.... ما أن يعلم أهل الميت بوفاته حتى يخرج النساء مع الخادمات الى الطريق العام وهن يصرخن فى صوت مرتفع ويطرقن ابواب الجيران لكى يبلغن النبأ الحزين فتخرج نساء الحى فى شبه مظاهرة كبرى غلفتها مظاهر البؤس والحزن والشقاء. ويتعالى صراخهن وبكاؤهن على طول الطريق حتى يعلم أهل القرية جميعا بنبأ الوفاة ويجدر القول أن هذا المشهد يحدث فى مصر حتى يومنا هذا فى بعض القرى النائية .
وعند الوصول الى بيت الميت تقام كافة الترتيبات الخاصة بالجنازة وتقوم النساء بغسل جثة الميتة ولفها بالكتان النظيف ويقوم رئيس الخدم ليستأجر قارباً لحمل الجثمان الى مكان التحنيط فى البر الآخر من النيل وهناك يعرض على أهل المتوفى نماذج من المومياوات تمثل مختلف طبقات التحنيط التى تتم بأسعار متفاوتة ويذكر "ديودور" الكاتب الاغريقى (عام 40 ق.م) أن أغلى عملية تحنيط كانت تتكلف ما يعادل 250 جنيها مصريا بأسعار قرن مضى . ولما كانت أسرة الميتة من أكبر الاسر ثراء فى طيبة فقد أوصت بتحنيطها تحنيطاً فاخراً . وقام زوجها ليختار الجانب الباقى من معدات الدفن وهى التابوت الداخلى والخارجى وأوانى الأحشاء ونسخة من كتاب الموتى .
كان المحنط يلبس قناعاً فى صورة رأس ابن آوى ويتلو الكهنة المرتلون الذين يرافقونه بعض النصوص السحرية المتصلة بمختلف أدوار العملية على النحو التالى : كانت الجثة توضع على منضدة من الخشب ويقوم المحنط بنزع المخ بواسطة قضيب من النحاس أو البرونز ينتهى بالتواء على شكل ملعقة، يدفعها فى فتحة الأنف ثم يوضع مسبر معدنى ذو خطاف فى نهاية الرأس عن طريق فتحة ويقطع المخ إلى أجزاء تسحب إلى الخارج بواسطة قصبة ملفوفة ثم يغسل الفم ويملأ بكتان مشبع بالراتنج وتوضع ضمادات من الكتان فوق الأعين الغائرة وتسحب الجفون فوقها .
أما المرحلة الثانية فكانت تتضمن نزع الأمعاء حيث يبدأ أحدهم يجر خطاً بالحبر على الجانب الأيسر من الجسم ثم يقطع آخر قطعاً طولياً بسكين من الصوان ويحدث فتحة فى بطن المتوفى، وقطعاً آخر فى الحجاب الحاجز ثم يفر هارباً فيجرى خلفه الحاضرون ويقذفونه بالحجارة ويلعنونه ربما لاعتقادهم أن الروح الشريرة التى كانت سبباً فى المرض والوفاة قد علقت بجسد المحنط فقد لعبت الشياطين المرضية دوراً لا بأس به فى آفاق الفكر الإنسانى العتيق. بعد ذلك يقوم رئيس المحنطين بتفريغ البطن من الأحشاء الداخلية وينزعها جميعاً ولا يترك سوى القلب لأن المصريين كانوا يعتقدون أن القلب مركز الإحساس وهو عقل الرجل ولذا كان من المهم أن يظل حيث هو متصل بأوعيته الكبرى ليظل يحكم جسد الميت حين ترتد له الحياة بعد ذلك يتم حشو البطن بالكتان المشبع بالصمغ والقار والعطور ثم تخاط الفتحة الجانبية أو تسد مع فتحات الأنف والفم والأذنين والعينين بالصمغ والراتنج والنطرون والملح والدهن الحيوانى والشمع المصهور وكان الفراغان البطنى والصدرى يعقمان يغسلهما بنبيذ النخيل وهو ما يحتوى على الكحول بنسبة 14% ثم تغطى الجثة بعد ذلك بملح النطرون الجاف بعد وضعها على سرير مائل فى نهايته فتحة صغيرة تؤدى إلى حوض تتجمع فيه السوائل التى تستخرج من الجسم ويبدو أن هذه العملية كانت تستغرق أربعين يوماً وتستمر اجراءات التحنيط بعد ذلك ثلاثين يوماً لتلاوة الطقوس والصلوات.
كان الأساس العلمى الذى اعتمد عليه المصريون القدماء فى التحنيط هو استخلاص ماء الجسم وتجفيفه تماما حتى لا تتمكن بكتيريا التعفن من أن تسرى فى جسد الميت تماماً كما يتم تمليح الأسماك لحفظها وبهذه الصورة يصبح الجسم معداً لحمام الملح الذى ينقى فيه بضعة أيام وربما كان هذا الحمام وعاءا كبيراً توضع فيه الجثة فى وضع القرفصاء والركبتان مثنيتان إلى أسفل الذقن ويظل الرأس بارزاً فوق السائل ولكى لا يتعفن الرأس كان يغطى بطبقة من عجينة راتنجية سميكة وبعد بضعة أيام يرفع الجسد من حمام الملح، ويصبح بعده الميت فى شكل مأسوى ذلك لأن كل الشحم يكون قد ذاب ولا يبقى من الجسد سوى العظم والجلد . أما النسيج العضلى واللحم فيتحولان إلى كتلة اسفنجية وأما البشرة فتتسلخ ثم تسوى الجثة فى وضع أفقى وتجرى عليها عملية التجفيف الهامة لأنه يجب تخليص الجسم تماما من الرطوبة التى لحقت به من جراء وضعه فى الحمام ويرجع أن الجثة كانت توضع بجوار نار هادئة مع حرارة الشمس اللافحة حتى تجف وعلى هذا يكون الجسد معداً تماما للمراحل النهائية للتحنيط حيث يغطى بطبقة من الراتنج والنطرون أو الملح.
ويغطى القطع الجانبى بلوحة من الشمس تنقش عليها صورة العين المقدسة لحورس ابن الآله أوزوريس وتلف الجمجمة بكتان مغموس فى الراتنج وتحشى الفتحات بنفس الطريقة ثم توضع كمية راتنجية أخرى على الجسم وتبدأ عملية وضع اللفائف على كل عضو ويلف بالأربطة ثم يضع المحنط كذلك تمائم ذات قوة سحرية فعالة فى الجسم.
وتتلى طوال الوقت خدمة دينية يرددها الكهن فيقول أحدهم وهو يخاطب الموتى "فى سلام .. فى سلام نحو الاله العظيم .. ويردج النبلاء الطيبون قائلين .. تقدم فى سلام .. فى سلام نحو قبرك فى الجبانة. ونرى المحنطين وقد وضعوا المومياء فى حرص وعناية داخل التابوت . ولكن قبل أن يثبتوا الغطاء فى مكانه نراهم يضعون غطاء داخيليا فوق المومياء مصنوعاً من الخشب المذهب .
هكذا تنتهى عملية تحويل الميتة الى مومياء وقد استغرقت سبعين يوماً. وهى معدة الآن لتعاد إلى اسرتها استعدادا لحفل جنائزى. وفى بعض الأحيان كان عدد كبير من التماثيل يدفن مع الموتى من الطبقة الراقية حتى يبلغ عددها 365 تمثالا بعدد أيام السنة . وقد عثر على قبر سيتى الأول ثانى ملوك الأسرة التاسعة عشرة على ما يزيد على 700 تمثال .
وفى الحفل الجنائزى يسير زوج الميتة فى صحبة النبلاء مع أقارب الراحلين الذكور على حين تسير فى مؤخرة الموكب النادبات تقودهن قريبات الميتة وبناتها. وكلهن يضربن صدورهن ويعولن فى نغم واحد وهن يصفن فى رثاء متنوع الصفات المميزة للميتة.
وبعد مسيرة ساعة تقريباً يصل الموكب إلى سفح التلال الغربية حيث تستقر هناك خلية من المقابر هى "بيوت الأبدية" التى اختارها أهالى طيبة مساكن لهم.
وفى أحد هذه القبور تدفن الميتة. أما الوصول إلى المقبرة فانه يتم عن طريق حوش خارجى مفتوح تمر منه إلى ممر قصير يؤدى إلى قاعة تجرى متعامدة مع المحور الرئيسى للمقبرة ويؤدى ممر طويل من هذه القاعة الى غرفة مربعة يقع خلفها بئر يشغل جانبا من الأرض محفور فى الصخر ينزل الى غرفة الدفن نفسها. وسطوح الجدران فى القبر مغطاة بالملاط ومرسومة بالصور والكتابات الهيروغليفية فى ألوان وضاءة ومرتبة . وهكذا نرى فى الغرفة الخارجية رسم الميتة يصحبها زوجها وهما يقضيان أوقاتهما فى الجنة .فعلى أحد الجدران يجلسان فى حديقة بها اشجار ويأكلان من فاكهتها، ومما يقدمه لهما الخدم.
وتبدأ الخدمة الدينية بتطهير المومياء بالماء المقدس الذى ينثر من أوان مختلفة وبنفخ بخور كثير ثم بعد احتفالات أخرى يذبح عجل تقرب ساقه الأمامية من فم الميتة . وبعد ذلك يلمس الكاهن الرئيسى فمها والذى يسميه المصريون "سم" . وهو يلبس الزى المقدس من جلد الفهد . ويردد كلمات من الطقوس يقول فيها أنا أفتح لك فمك بالساحر العظيم الذى يفتح الذى يفتح به فم كل اله . وبذلك تمنح المومياء حق استعمال الفم والعينين وباقى وظائف الجسم .
وقد حان وقت الطعام ... ولذا فإن باقى الطقوس تتضمن استعدادات تمهيدية توصل للمأدبة الجنازية نفسها . وليست هذه المأدبة مقصورة على الأموات وحدهم بل تضم الاحياء كذلك خارج بيت الموت . وهم بذلك يتناولون طعامهم إلى وقت متأر بعد الظهيرة . ثم تأتى ساعة الوداع الأخيرة فيرتمى ابناء الميتة على أمهم وهم يبكون . ويحمل التابوت على أكتاف رجال اشداء إلى ظلام القبر عن طريق البئر المؤدية إلى غرفة الدفن السفلية حيث ترقد المومياء إلى الأبد . ثم بئر الدفن بالحصى والتراب حماية لها من اللصوص . ويختم على المومياء للأبد.
ويشق الموكب المجهد طريق العودة إلى النهر .. ويتردد فى سكون الصحراء ترنيم كاهن يقول "يا خازن بيت آمون رع ملك الآلهة . ادخل واخرج من الغرب ولتخط من باب العالم السفلى . ولتعبد رع حين يشرق فى الجبال ولتتعبد له حين يغرق فى الأفق .. ولتتقبل القرابين ولتكن راضياً عن الطعام الذى فوق مذبح سيد الأبدية.
| |
|
جامعة الكل
الجنس :
عدد المساهمات : 20616
العمر : 59
| رد: التحنـــــــــيط و الجنــــــــازة الفرعونيـــــــة |
| | |
|