بائع الحروف

بـــائـع الحـــروف

هي مرغمة تلكم السفينة الراسية فوق صدري الهش الضعيف, مثقلة بحملها من صناديق, حشرت في جوفها بحروف اُلفة وأكثرها تأفف , لُفت بورق شفاف لماع, الحقيقة بداخلها سر لم يكشف....

ضاق بها قلبي بعد أن أشرقت الشمس من مغربها , وخاصم الشهيق الزفير فتحاكما لدى العقل.. تجمع القوم صفا في إنتظار الحكم الذي به سيحكم ضمير الأمير....

*- هاتوه وعلى البلاط مقيدا أطرحوه إنه...

وصاح رجال نعدهم من الشرفاء بيننا

*- تمهل أيها المتربع على عرش الرأي والسداد , وانذر جندك ألا يقدموا على فعل ذلك؟

*- لِما أيها السادة تقوضون أعمدة العرف والعادة...؟

ومن بين هؤلاء الشرفاء اُمِّر أحدهم , لينطق بلسانهم وكان حكيما , وقال:

*- إن الذي قلتموه لا يليق بسؤدد أهل البوادي ولا بزائري أهل الوادي, نحن نعلم من هو ؟ ولمن ينتسب

*- حسبك يا سيد..؟ فأنا القاضي هنا لا تعد ولا تحسب...؟

*- إن كنتَ كذلك أتق كرائم من تظن أنه مذنب..؟

وسادت ساحة المحكمة همهمة ودمدمة ..منهم ساخط وقانط, ورافض وراض ضوضواء وغوغاء ..وجوه مبتسمة نظرة ووجوه سوداء تعلوها قترة..جماعات وزرفات.. أفكارهم آبقة وأذهانهم شاردة وأبصارهم زائغة إلا.....؟

تلاطمت أمواج الحضور , فلا الوالد عرف ولده, ولا الصاحب أقر صحبة صاحبه

*- كيــــــــف تجرأت ولبلاطنا قدمت دون إذن ولا حرس من إنس..؟

*- إن الفارس لا يحسن إلا الكر والفر حين الدهس ... هيا هات ما عندك من لبس

وأمام الملإ أنشر غسيلك الذي غسلت ليلة أمس..؟

وينتفض القاضي وهو ظالم لنفسه: أراك وقحا وتتحدى هؤلاء الناس

*- لساني تحت نعالهم , ما علت العين حاجبا , إني مثلكم آدمي لي نفَس ونفْس , فلما العنت والعناد؟ ألا ترى أنك لمعالم الحق تطمس؟

*- صه أيها الأرعن الجلف ؟ أتتهمني وأنا القاضي بالكلم و القلم ثم الفأس

*- مسكين بائس حكيم وبالجهل عليم , بئس القول قولك , كيف السادة تترأس..؟

*- خذوه وفي غياهب الجب ألقوه؟ لا تطعموه إلا بعد سبع, ولا تسقوه إلا من بول ضبع

شدوا جيدا وثاقه , وضيقوا حبسه حتى نرى فيه الرأي السديد...

وتزاحم الحرس متدافعين نحوه ليرضوا حابسه, وخانق أنفاسه لكــــــــــــــــن........؟

ومن تحت إبطه اخرج الفارس صرة .. فك خيط فيها وأفرغ علنا ما بداخلها , فإذا بحروف تسعى وإذ بالجمع شذرا مذرا, إلا هو سوّى عمامته وشد حزام خصره وابتسم وقال

*- أألآن أيها الجلاد الصلد والحاكم المستبد والمسترجل تتوارى من دون الرجال ؟ إنها حروف تبتر الأنوف , تشق الصفوف وتعفو عن ذوي المكارم فهي لهم أُلف مألوف

*- أأنت إذن صاحبها...؟

*- بل أنا بائع الحروف .. إلا حرفان إثنان اسكنتهما السويداء من الوجدان , أنا الحارث والزارع والساقي لهذا البستان...

أنا من أتى حيكم طالب عشرتكم أطمع في وقفتكم , فهل أنتم جاهزون لضرب الدفوف ورص الصفوف ...

ألآ إني محييكم بنُبلي ونَبلي ورمحي ألآ فاشهروا السيوف...؟ فإن أنتم تقاعستم وخذلتموني نكرانا وتجاهلا أقرؤوا ما على الرفوف.....؟

إبراهيم تايحي

بائع الحروف موجود في : منتديات مملكة الفرات

توقيعابراهيم تايحي