. غابي: قصة طفلة حرمت نعمة الإحساس بالألم
حالة الصغيرة غابي حالة نادرة حقاً، فهي لا تشعر اطلاقاً بالألم ولا يمضّها الوجع، ولكن هذا ليس شيئاً مفيداً أو سليماً كما تظن أو قد يتبادر إلى أذهاننا - فالألم هو الذي يقينا شرور الاصابةويبقينا حذرين عندما نكون في طريقنا إلى الاصابة بأذى وهذا الدرع الواقي هو ما تفتقده غابي، وهي زهرة يانعة في ربيعها الثالث من بيغ ليك بولاية منيسوتا. فقد ولدت
هذه الصبية وهي مصابة بمرض نادر للغاية يسمى المرض العصابي التلقائي الحسي الوراثي - الناشئ عن عوامل داخلية - النوع (hereditory Sensory Autonomic Neuropathy Type55)والذي أفقدها بالفعل جزءاً كبيراً من قدرتها على الابصار.
ويقول الدكتور ستيفين سميث اخصائي طب الأمراض العصبية بمركز غيليت للرعاية الصحية التخصصية للأطفال، والذي شخَّص حالة غابي: "ان الألياف العصبية الدقيقة التي يفترض ان تسجل الألم تقوم بإرسال الرسالة إلى الدماغ وبالتالي يمكنك تفسير هذه الرسالة وادراك كنهها وماهيتها" وأضاف يقول: هذه الألياف العصبية لا تعمل لدى غابي".
أما والدها ستيف ووالدتها تريش غنغراس، فقد أفادا بأن أول اشارة تنبيهية لفتت نظرهما إلى أن هنالك شيئاً ليس على مايرام هي ان غابي كانت تهرش وجهها وتغرز فيها أظافرها عندما كانت طفلة صغيرة وعندما ظهرت أسنانها بدأت تقضم يديها حتى بدت اليدان مثل "قطع هامبورغر نيئة" وعندها تحول القلق الذي كان ينتاب والديها إلى رعب وفزع وهلع حيال حالتها. وأشارت تريشقائلة: ان أي شيء كانت تقوم به ينطوي على خطورة قد تؤذيها" ولذلك ازيلت أسنان غابي ووصف ستيف هذه الخطوة قائلاً: "ان خلع الأسنان لم يؤلمها على الاطلاق".
وبرغم أن التشخيص كان محبطاً بل وصاعقاً ومروعاً فقد دخل والدا غابي في سباق مع الزمن للقيام بكل ما من شأنه مساعدة طفلتهما، فالأم التي كانت تعمل محررة أوقفت مشوارها العملي وضحَّت بمستقبلها الوظيفي كي تتفرغ لتربية غابي وشقيقتها كاتي البالغة من العمر ست سنوات. وظلت الأم تتصفح الشبكة العنكبوتية، وكذا المراجع والمصادر الطبية، وتجوبها طولاً وعرضاً لجمع معلومات عن مرض ابنتها وعن الأشخاص الآخرين المصابين به على مستوى العالم - فتبين لها انهم حفنة لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة، بيد أن هذا لم يثبط عزمها أو يوهن عزيمتها أو يحبط جهودها الحثيثة نحو التماس العون والمساعدة لابنتها.
أما ستيف، فقد وضع جميع مواهبه ومهاراته كمهندس في خدمة ابنته التي أدت الخدوش والهروش وآثار غرز الأظافر إلى الحاق الضرر البليغ بعينها. وأما نانسي كوبف، والتي دبَّجت سلسلة من المقالات المتعمقة المتميزة ونشرتها في الصحيفة المحلية "شيربيرن كونتري سيتيزن" عن حالة غابي ومرير كفاحها، فقد صرحت قائلة: "في ظهيرة أحد الأيام نهضت غابي من غفوة بما بدا وكأنه زغب وألياف دقيقة على عينيها". وأضافت قائلة:من مراجعة قسم الطوارئ اتضح ان هنالك ندبة كبيرة بالقرنية التي تحمي عدسة العين وأن تلك العين فقدت قدرتها تماماً على الرؤية والأبصار.
وقد خضعت غابي لسبع عمليات جراحية لخياطة جفنيها المغلقين جزئياً ولمنعها من هرشهما بأظافرها ولكنها كانت تفلح دائماً في نزع الغرزات. ولئن كان النزع مؤلماً للغاية فإن الأمر مختلف بالنسبة للصغيرة غابي فهي لا تستطيع الاحساس بالألم ولأجل هذا فإن والدها الداهية الواسع الحيلة صمم لها نظارتين واقيتين من النوع الذي يستخدم للسباحة وقد أصبحت هذه هي طريقتها الخاصة التي تضع بها بصماتها على صفحة الحياة.
ووصفت بريش ذلك قائلة: أصبحت غابي مشهورة تماماً بهاتين النظارتين في أوساط الأطفال بالمدينة". ولما كانت غابي لا يرمش لها جفن ولا تطرف لها عين لأنها لا تستطيع ان تفتح عينيهاوتغمضهما بسرعة، فقد عمل أبوها ستيف مع طبيب من جامعة مينيسوتا وعكفا معاً على تصميم أداة يتم زرعها في العين على أمل القيام بهذه المهمة.
علاوة على ما تقدم، سافرت الأسرة أيضاً إلى بوسطون لمقابلة اخصائي تمكن من تصميم عدسات واقية تتناسب بشكل خاص مع غابي. وعندما عادت العائلة إلى منزلها، تمكنت غابي لأول مرة من رؤية صورة في زجاج مقوى بأحد المباني.
وكانت فرحتها غامرة بذلك.
وفي غضون ذلك، ظل ستيف وزوجته تريش منهمكين في المحافظة على الروح المعنوية العالية لابنتها الصغيرة فهما يهتمان بتفاصيل حياتها اليومية ويبذلان ما في وسعهما لأجل فلذة كبدهما.
وتقول تريش ان غابي علمتنا ان نستمتع بكل لحظة من لحظات الحياة.
وأردفت قائلة: ان أي فرصة تقضيها مع أطفالك تكون لها قيمة خاصة لدي